leak of thoughts
Wednesday, August 8, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الخامس و الأخير
Saturday, August 4, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الرابع
ترجمة
جدك ال 250,000 (منذ 6,000,000 سنة) |
لنستكمل رحلتنا في الماضي و نتوقف عند بعض المحطات في طريقنا نحو تلك السمكة الجميلة. لنفترض أننا وصلنا بآلتنا الزمنية إلى المحطة المعنونة ب’ 6,000,000 سنة ماضية’. ماذا سنجد هناك؟ بفرض أننا كنا في أفريقيا, فإننا سنجد أسلافنا من الجيل ال 250,000 (زد أو انقص عدة أجيال). إنهم قرود, و ربما بدوا أشبه بالشيمبانزي لكنهم ليسوا شيمبانزي. في الحقيقة, سيكونون السلف المشترك بيننا و بين الشيمبانزي. سيكونون مختلفين عنا لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بيننا. و مختلفين عن الشيمبانزي لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بينهما أيضاً. لكن سيمكنهم التزاوج مع المسافرين الذين اصطحبناهم من المحطة ‘5,990,000 سنة ماضية’ . و ربما أمكنهم التزاوج مع أولئك من المحطة ‘5,900,000 سنة ماضية’. لكن ربما ليس مع أولئك الذين ينتمون ل’4,000,000 سنة ماضية’.
نستمر بالتوغل أكثر فأكثر, 10,000 سنة كل مرة, غير عاثرين على أي تغيير ملحوظ في كل محطة. لنتوقف و نرى من يرحب بنا عندما نصل للمحطة ‘63,000,000 سنة ماضية’. هنا يمكننا أن نصافح ( أو نشد على مخالب؟) سلفنا ال 7,000,000. انهم يشبهون حيوان الليمور – نوع من القرود - أو الجلاجو, و هم بالفعل أسلاف كل الليمور و الجلاجو المعاصر, كم أنهم أسلاف كل الشيمبانزي المعاصر و القرود, و ذلك يشلمنا.
جدك ال 45,000,000 (منذ 105,000 سنة) |
جدك ال 170,000,000 (منذ 310 مليون سنة) |
جدك ال 175,000,000 (منذ 340 مليون سنة) |
Wednesday, August 1, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثالث
ترجمة
تتكون الأحفورات من صخور. إنها صخور التقطت أشكال حيوانات و نباتات ميتة. لا تتاح للغالبية العظمى من الحيوانات فرصة أن تتحول إلى أحفورات حين تموت. إذا أردت أن تحفظ نفسك كأحفورة, فإن الخدعة تكمن في أن تحرص على أن تُدفن في نوع الطمي أو الطين المناسب, النوع الذي قد يتصلب في النهاية مكوناً ‘صخراً رسوبياً’.
ما الذي يعنيه ‘صخر رسوبي’ ؟ الصخورعلى ثلاثة أنواع: بركانية, رسوبية, متحولة. سأتجاهل الصخور المتحولة, لأنها في كانت الأصل أحد النوعين الآخرين(بركانية أو رسوبية) ثم تحولت بفعل الضغط و/أو الحرارة. الصخور البركانية كانت في وقت ما ذائبة, كما الحال بالنسبة للحمم الحارة التي تتدفق من البراكين الثائرة الآن, ثم تصلبت في شكل صخور عندما بردت. الصخور الصلبة من أي نوع تتآكل بفعل الرياح أو الماء لتتفتت إلى صخور أصغر, حصى, رمال و تراب. الرمل و التراب يعلق بالماء ثم قد يستقر في طبقات من الترسبات أو الطمي في قاع البحر أو البحيرة أو النهر. بمرور زمن طويل, الترسبات تتصلب مُكوّنةً طبقات من الصخور الرسوبية. على الرغم من أن الطبقات تكون مسطحة و أفقية عندما تنشأ, فإنها و بحلول الوقت الذي نراها فيه بعد ملايين السنين غالباً ما تكون قد تشوهت أو انحرفت أو قُلبت ( لمعرفة كيف يحدث ذلك, طالع الفصل العاشر الخاص بالزلازل).
لنفترض الآن أن حيواناً ميتاً انجرف في الطمي, في مصب النهر ربما. إذا تصلب الطمي لاحقاً ليصبح صخرة رسوبية, فإن جثة الحيوان قد تتحلل داخل الصخرة المتصلبة تاركةً أثراً غائراً على هيئتها سنجده في نهاية المطاف. هذا أحد أنواع الأحفورات – نوع من الصور السالبة ‘negative’ للحيوان. و قد يشكل هذا الأثر الغائر قالباً تتسرب اليه ترسيبات جديدة, تتصلب فيما بعد مُشَكّلةً صورة موجبة مطابقة للمظهر الخارجي لجسم الحيوان, و هذا نوع ثاني من الأحفورات. و هناك نوع ثالث يتم فيه استبدال ذرات و جزيئات جثة الحيوان, واحدة تلوة الأخرى بذرات و جزيئات المعادن الذائبة في الماء. والتي تتبلر لاحقاً مشكلةً صخوراً. و هذا أفضل أنواع الأحفورات, لأنه و ببعض الحظ, فإن التفاصيل الدقيقة في داخل الحيوان يتم إعادة تشكيلها بشكل يبقى للأبد, و يتم ذلك مباشرةً في قلب الأحفورة.
يمكن حتى للأحفورات أن تُؤرَّخ. يمكننا معرفة عمرها غالباً عن طريق قياس النظائر المشعة في الصخور. سنعرف ما هي النظائر و ما هي الذرات في الفصل الرابع. باختصار, النظائر المشعة هي نوع من الذرات يتحلل ليصير نوعاً آخر من الذرات. على سبيل المثال, أحد هذه النظائر يُدعى يورانيوم-238 يتحول إلى رصاص-206. و لأننا نعلم كم من الوقت تستغرق تلك العملية, يمكننا أن نفكر في النظائر كساعات مشعة. الساعات المشعة هي إلى حد ما شبيهة بساعات الماء و ساعات الشمع التي استخدمها الناس قبل اختراع ساعات البندول. خزان مياه به فتحة في القاع سوف يجف بمعدل محسوب. لو أن الخزان مُلِئَ عند الفجر, يمكنك أن تعرف كم من النهار قد مر بقياس المستوى الحالي للماء. المثل مع ساعات الشمع. الشمعة تذوي بمعدل ثابت, لذا يمكنك معرفة كم من الوقت مر منذ تم إشعالها بقياس طول الشمعة الحالي. في حالة ساعة اليورانيوم-238, فنحن نعرف أن اليورانيوم-238 يستغرق 4.5 بليون سنة ليتحلل نصفه إلى رصاص-206. يسمى هذا ‘نصف عمر’ اليورانيوم-238. لذا, بقياس كم الرصاص-206 في الصخرة مقارنةً بكم اليورانيوم-238 يمكننا حساب كم من الوقت مر منذ اللحظة التي لم يكن بها رصاص-206 بالمرة و كان كل ما هناك هو اليورانيوم-238.بعبارة أخرى, كم من الوقت مر منذ ‘تصفير’ الساعة.
و متى يتم تصفير تلك الساعة؟ حسناً, يحدث ذلك فقط مع الصخور البركانية التي يتم تصفير ساعاتها في اللحظة التي تتصلب فيها الحمم الذائبة لتصير صخوراً. لا يحدث هذا مع الصخور الرسوبية التي ليس لها ‘لحظة صفر’, و هذا مدعاةٌ للأسف لأن الأحفورات يمكن العثور عليها فقط في الصخور الرسوبية. لذا فإن الحل يكمن في العثور على صخور بركانية في مكان ما حول الطبقات الرسوبية و استخدامها كساعة. على سبيل المثال, لو أن أحفورة وُجِدت في صخرة رسوبية تعلوها صخرة بركانية عمرها 120 مليون سنة و تسفلها صخرة بركانية عمرها 130 مليون سنة, فستعرف أن هذه الأحفورة عمرها بين ال 120 إلى 130 مليون سنة. بتلك الطريقة تم التوصل لكل التواريخ التي ذكرتها في هذا الفصل. كلها تواريخ تقريبية لا يجوز أخذها على محمل الدقة.
اليورانيوم-238 ليس النظير المشع الوحيد الذي يمكن استخدامه كساعة. هناك المزيد من النظائر و التي تمنحنا مجالاً واسعاً من أنصاف العمر. على سبيل المثال, الكربون-14 له نصف عمر يبلغ 5730 سنة فقط. وهو ما يجعله مناسباً لعلماء الآثار الذين يبحثون في التاريخ الإنساني. من الحقائق الممتعة أن العديد من الساعات المشعة لها نطاقات وقتية متداخلة, لذا أمكن استخدامهم في مواجهة بعضهم البعض للتحقق من دقتهم. و ثبت ذلك في كل مرة.
الكربون-14 يعمل بطريقة تختلف عن الآخرين لا تتمحور حول الصخور البركانية و إنما حول رفات الكائنات الحية نفسها, الخشب العتيق على سبيل المثال. إنه أحد أسرع الساعات المشعة التي نعرفها. لكن 5730 سنة لازالت فترة أطول بكثير من العمر البشري, لذا ربما تساءلت كيف تأتّى لنا أن نعرف أن هذا هو نصف عمر الكربون-14. ناهيك عن كيفية معرفتنا بأن نصف عمر اليورانيوم-238 هو 4.5 بليون سنة! الإجابة سهلة. ليس علينا أن ننتظر تحلل نصف الذرات. نستطيع أن نقيس معدل تحلل نسبة ضئيلة من الذرات ثم نحسب نصف العمر, ربع العمر أو 1/100 من العمر, و هكذا.
Tuesday, July 31, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثاني
حتى الأبد؟ حسناً. لا, ليس الأمر بهذه البساطة. هذا سيتطلب بعض الشرح, و سأبدأ بتجربة ذهنية. التجربة الذهنية هي تجربة تجري في مخيلتك. ما سنقوم بتخيله هو حرفياً غير ممكن لأنه سيأخذنا نحو حقب زمنية موغلة في القدم, قبل أن نولد بكثير.لكن استحضارها في مخيلاتنا سيعلّمنا شيئاً هاماً. لذا, إليك تجربتنا الذهنية. كل ما عليك فعله هو أن تتخيل نفسك متًّبعاً تلك الإرشادات.
ليس من السهل تخيل كومة من 185 مليون صورة. كم سيبلغ ارتفاعها؟ حسناً, لو أن كل صورة تمت طباعتها كصورة بطاقة بريدية عادية, فإن 185 مليوناً منها ستُشَكِّل برجاً بارتفاع 16,000 قدم. هذا يمثل أكثر من 40 من ناطحات سحاب نيويورك موضوعة بعضها فوق بعض. طويلة لدرجة أنه يصعب صعودها, ناهيك عن امكانية سقوطها (و هو ما سيحدث). لذا دعنا نميلها بحرص على جانبها, و نضع الصور بطول رف كتب وحيد.
كم سيبلغ طول هذا الرف؟ حوالي ثلاثة أميال.
الطرف الأقرب لرف الكتب هو صورتك, و الطرف الأبعد هو صورة لسَلَفك ال185 مليون. كيف كان يبدو؟ رجل مسن ذو شعر أشعث و لحية بيضاء؟ رجل كهف متدثر بجلد نمر؟ انس هكذا أفكار. نحن لا نعلم كيف كان يبدو بالتحديد, لكن الأحفورات منحتنا تصوراً جيداً. سَلَفَك ال185 مليون بدا هكذا -----------------------------------------------------<
لنمشي الآن بطول رف الصور الذي يبلغ طوله ثلاثة أميال, نستخرج الصور واحدةً تلو الأخرى و ننظر إليها. كل صورة تظهر مخلوقاً ينتمي لنفس النوع في الصورتين السابقة و التالية لها. كل واحدة تبدو تماماً كَجارَتَيّها في الصف – أو على الأقل بنفس مقدار الشبه بين أب و ابنه. على الرغم من ذلك لو مشيت مباشرةً من أحد طرفي الرف إلى الطرف الآخر, ستجد بشرياً عند أحدهم و سمكة عند الآخر. و كثير من الأسلاف الآخرين المثيرين للإهتمام فيما بينهما, و هم كما سنرى قريباً يتضمنون بعض الحيوانات التي تبدو كالقرود, آخرين يبدون كالسعدان, و البعض الآخر يبدو كالزبابة – حيوان قارض -, و هكذا. كل منهم يبدو كجارَيه في الصف, لكن لو حدث أن التقطت صورتين من مكانين متباعدين في الصف ستبدوان مختلفَتَيّن جداً, و إذا تتبعت الصف بدءاً من البشر متوغلاً في الزمن بشكلٍ كافٍ, ستنتهي إلى سمكة. كيف لهذا أن يحدث؟
في الحقيقة, ليس استيعاب الأمر بهذه الصعوبة. فنحن معتادون إلى حد كبير على قدرة التغييرات التدريجية خطوة صغيرة بخطوة, واحدة تلو الأخرى على إحداث تغيير كبير. كنت رضيعاً في وقت ما و لم تعد كذلك الآن. و عندما يتقدم بك العمر كثيراً سيتغير مظهرك مجدداً. على الرغم من ذلك, عندما تصحو من نومك كل يوم فأنت الشخص ذاته الذي كنته الليلة الفائتة. الرضيع يكبر ليتعلم المشي, ثم يكون طفلاً, ثم مراهقاً, ثم شابأ صغيراً, ثم شاباُ يافعاً, ثم كهلاً بعد ذلك. و التغيير يتم بشكل تدريجي. ليس باستطاعتك يوماً أن تقول " هذا الشخص توقف فجأةً عن كونه رضيعاً و أصبح طفلاً". لم يحدث أن قلت ذات يوم: "بالأمس كان ذلك الرجل يافعاً, و الآن صار مسناً".
هذا يساعدنا على فهم تجربتنا الذهنية التي تأخذنا إلى الخلف 185 مليونأ من الأجيال عبر أسلاف الأسلاف وصولاً إلى سمكة. و قد نعكس الإتجاه متقدمين في الزمن, و هو ما حدث عندما قام سلفك سَمَكيّ الصفات بإنجاب طفل سَمَكيّ الصفات, الذي أنجب بدوره طفلاً سَمَكيّ الصفات, والذي أنجب بدوره طفلاً...و هكذا, 185 مليون (بالتدريج أقل سَمَكيّة) جيلاً. انتهت إليك.
إذا فقد كان الأمر تدريجياً جداً – تدريجي لدرجة أنك لن تلحظ فارقاً إذا عدت ألف سنةٍ إلى الوراء. و حتى عشرة آلاف سنة, و هو ما يعني أنك عدت 400 جيل من أسلافك. أو بالأحرى, سوف تلاحظ العديد من التغييرات الطفيفة على طول الطريق, لأنه لا أحد يبدو كوالده تماماً. لكنك لن تلحظ توجهاً عاماً. عشرة آلاف عام من الزمن سابقة للبشر الحاليين ليست كافية لتظهر توجهاً. صورة سلفك الذي ينتمي لعشرة آلاف سنة فائتة لن تختلف عن البشر الحاليين, بالطبع لو استثنينا الاختلافات الظاهرية في شكل الملابس و الشعر و اللحية. لن يختلف عنّا إلا بمقدار ما يختلف بعض البشر الحاليين عن البعض الآخر.
ماذا عن مائة ألف سنة, حيث ستقف إزاء سلفك الذي سبقك ب 4000 جيل؟ حسناً, الآن قد يكون هناك تغييراً ملحوظاً. ربما ازدياد طفيف في سماكة الجمجمة, خاصة تحت الحواجب. لكنه سيظل فقط طفيفاً. لنعُد الآن أكثر في الزمن. لو أنك تجاوزت المليون سنة الأولى في الرف, فإن صورة سلفك الذي سبقك ب 50000 جيل ستكون مختلفة بالقدر الذي يمكننا من تصنيفها كنوع مختلف. النوع الذي نسميه “Homo Erectus”. البشر اليوم كما تعلم معروفون بال “Homo Sapiens”. “Homo Erectus”و“Homo Sapiens” لن يتمكنوا في الغالب من التناسل معاً. و حتى لو أمكن ذلك, لن يتمكن طفلهما من الإنجاب – بنفس الشكل التي لا يتمكن به البغل تقريباً في كل الأحوال من التكاثر(سنرى التبرير في الفصل القادم), و البغل الذي هو نتيجة تزاوج حمار و فرسة.
مرةً أخرى, كل شيء تدريجيّ. أنت “Homo Sapiens”و سلفك الذي يسبقك ب 5000 جيل كان “Homo Erectus”. لكن لم يحدث أبداً أن قام أحد ال “Homo Erectus”فجأة بإنجاب طفل من ال“Homo Sapiens”.
لذا فإن سؤال "من كان أول البشر و متى عاش؟" ليس له إجابة محددة. إنها إجابة غامضة نوعاً ما, مثل إجابة سؤال " متى توقفت عن كونك رضيعاً و أصبحت طفلاً؟". في نقطةٍ ما, ربما منذ أقل من مليون سنة لكن أكثر من مائة ألف سنة, كان أسلافنا مختلفين عنّا لدرجة أن شخصاً معاصراً لن يكون بإمكانه أن يتناسل معهم لو حدث أن التقوا.
ما إذا كان بمقدرتنا أن ندعو ال“Homo Erectus” بشراً هو سؤال مختلف. إنه سؤال يتمحور حول كيفية استعمالك للمفردات – سؤال عن دلالات الألفاظ. ربما يحلو لبعض الناس الناس تسمية الحمار الوحشي بالحصان المخطط, لكن البعض الآخر قد يفضل أن يحتفظ بالإسم "حصان" خاصاً بالنوع الذي نمتطيه. هو مجرد سؤال آخر عن دلالات الألفاظ. قد تفضل الإحتفاظ بكلمات "شخص", "رجل" و "امرأة" لتطلقها على ال“Homo Sapiens”. هذا يعود لك. لكن لا أحد سيرغب بإطلاق لفظة "رجل" على سلفك السمكي الذي سبقك ب 185 مليون جيل. سيكون ذلك سخيفاً, حتى لو كان هناك سلسلة متصلة تصلكما و كانت كل حلقة من تلك السلسة هي من نفس النوع الذي تنتمي إليه جارتيها السابقة و اللاحقة.
Wednesday, July 25, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الأول
كل الشعوب في أرجاء العالم لديها أساطير نشأة تفسر من أين أتى البشر. العديد من أساطير النشأة عند القبائل تقتصر في حديثها على تلك القبائل بالذات كما لو أنه ليس هناك قبائل أخرى! بنفس الطريقة, العديد من القبائل لديها قاعدة تنص على عدم جواز قتل الناس, لكن اتضح أن "الناس" تعني فقط الآخرين من أبناء قبيلتك. قتل أبناء القبائل الأخرى لا بأس به!
أسكن الرب آدم في جنة جميلة تُسَمَّى عدن عامرة بالأشجار التي سُمِحَ لآدم أن يأكل من ثمارها مع استثناء وحيد. الشجرة المُحَّرمة كانت "شجرة معرفة الخير و الشر", ترك الربُ آدمَ واثقاً من أنه لن يقرب ثمارها.
أدرك الإله لاحقاً أن آدم قد يحس بالوحدة و أراد أن يتصرف إزاء ذلك. وفي تلك النقطة – كما في قصة درومردينر و مويني – هناك نسختين من الأسطورة, كلتاهما وردت في سِفر التكوين. في النسخة الأكثر تشويقاً, خلق الرب كل الحيوانات مُسَخَّرين لآدم, ثم لاحظ أن شيئاً ما لا يزال مفقوداً. امرأة! لذا أعطى آدم مُخًّدِراً عاماً, قام بفتح شق و انتزع أحد الأضلاع ثم خاطه مجدداً. قام بعدها بتنشئة امرأة من ذلك الضلع. أسماها حواء و قدمها لآدم كزوجة.
لسوء الحظ, كان هناك ثعبان شرير في الجنة, اقترب من حواء و أقنعها أن تعطي آدم ثمرة شجرة معرفة الخير و الشر المحرمة. آدم و حواء أكلا الثمرة فأدركا في التو حقيقة أنهما عاريين.
أربكهما ذلك فصنعا لنفسيهما ازارين من أوراق التين. عندما رأى الرب ذلك غضب جداً لأنهما أكلا الثمرة و اكتسبا المعرفة – و خسرا براءتهما, كما أعتقد -. طردهما من الجنة و حكم عليهما و على نسلهما بحياة الشقاء و الألم. حتى اليوم, فإن الكثير من الناس ما زالوا يأخذون القصة السيئة لعصيان آدم و حواء على محمل الجد تحت اسم "الخطيئة الأصلية". حتى أن بعض الناس يعتقدون أننا ورثنا تلك " الخطيئة الأصلية" عن آدم و أننا مشاركون في الإثم ( على الرغم من أن العديد منهم يعترف أن آدم شخصية غير حقيقية بالأساس!).
في ذات يوم كان أودين يمشي على الشاطيء بصحبة اخوته الذين كانوا آلهةً بدَوّرهم فوجدوا جذعي شجر. قاموا بخلق أول رجل من جذع الشجرة الأول و أسموه "آسك", و حوَّلوا الجذع الثاني إلى أول امرأة و أسموها "امبلا". بقيامهم بخلق أول رجل و امرأة, قامت الآلهة أخوة "أودين" بنفث الحياة فيهما, ثم تلوا ذلك بمنحهما الوعي و الوجوه و القدرة على الحديث.
أتساءل لماذا جذوع الأشجار؟ لماذا ليست رقاقات الثلج أو كثبان الرمال؟ أليس من المدهش أن نتساءل من اختلق تلك القصص و لماذا؟ هل نفترض أن المختلقين الأوائل لهذه الأساطير علموا بأنها خيالية لحظةَ اختلقوها؟ أم هل تظن أن أناساً مختلفين ينتمون إلى أزمنة و أماكن مختلفة اختلقوا أجزاءً متعددة من القصص كل على حدة, ثم قام أناسٌ آخرين بتجميع أجزاء القصة في وقت لاحق بعد تعديل بعضها غير مدركين أن تلك الأجزاء هي في الأصل مختلقة؟
Monday, July 9, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الأول - المقطع الرابع و الأخير
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
ذلك الذي انتهجه داروين نفسه.
Friday, February 17, 2012
سحر الحقيقة : الفصل الأول - الجزء الثالث
العلم و الغيبيات: التفسير و عدوه
إذاً تلك هي "الحقيقة". و تلك هي الطرق التي نستطيع بواسطتها تمييز الشيء الحقيقي عن غيره. كل فصلٍ من فصول هذا الكتاب سيتم تخصيصه لاستعراض جانب معين من الحقيقة. الشمس على سبيل المثال, الزلازل, قوس قُزَح أو الأنواع المختلفة من الحيوانات. أريد الآن أن انتقل الى الكلمة الرئيسية الأخرى في العنوان: السحر. السحر كلمة مراوِغة, تأتي عادةً في سياقاتٍ ثلاثَ مختلفة, و أرى من الضروري البدء بالتمييز بينها. سأسمي الأول "السحر الخارق للطبيعة", الثاني "السحر المسرحي" و الثالث - و هو معنايَ المُفَضًّل وما عنيتُه في عنواني - السحر بمعناه الشِعري.
على النقيض من ذلك, يحلُ السحر المسرحي ضيفاً على الواقع جالباً البهجة. أو بالأحرى يحلُ "شيء ما" على الواقع رغم أنه قد يختلف عمّا يظن المشاهدون أنه يحدث فعلياً. يقوم أحدهم على المسرح – لسببٍ ما يكون دائماً "أحدهم", لذلك سأستعمل "أحدهم" مع التأكيد على حقك في استخدام "إحداهُنَّ" إذا رغبت بذلك – بخداعنا بأن يلقي في روعِنا أن شيئاً مذهلاً قيد الحدوث – و ربما بدا حتى شيئاً خارقاً للطبيعة - بينما ما يحدث حقاً هو شيءٌ مختلفٌ تماماً. فإمكانية تحويل المناديل الحريرية الى أرانب لا تتعدى في قليل أو كثير إمكانية تحويل الضفادع الى أُمراء. ما رأيناه على المسرح لا يعدو كونه خُدعة. أبصارُنا تخدعنا, أو بالأحرى يبذل الساحر قَصَارى جَهده ليخدع أبصارنا, ربما عن طريق استخدام الكلمات بذكاء لتشتيت إنتباهنا عمّا يفعله بيديه.
النوع الثالث من السحر هو ما عنَيته في عنواني: السحر بمعناه الشِعري. عندما تدمعُ أعينُنا حالَ سماعِ مقطوعة موسيقية جميلة, و نَصِف الآداء بال"ساحر". عندما نحدّق بالنجوم في ليلة محاق مظلمة بمعزل عن أضواء المدينة, منقطعي الأنفاس من النشوة, و نَصِفُ المشهد بأنه "سحرٌ خالص". ربما إستخدمنا ذات الكلمة لوصف مشهد غروب رائع, أو منظر في جبال الألب, أو قوس قزح امتثل أمام سماءٍ غائمة. بهذه النظرة "سحري" تعني ببساطة: جمال ينفذ الى أعماقك, يبهجك, يقشعر له بدنك, و تشعر معه بروعة الحياة. ما أأمل أن أُريك اياه في هذا الكتاب هو أن الحقيقة – المُسَلَّمَات من عالم الواقع كما نفهمها من خلال الطرق العلمية – هي "سحرية" طبقاً للمعنى الثالث, المعنى الشعري, المعنى الذي يلهمك قيمةَ كونك على قيد الحياة.
يتخذ العلم المسلك المضاد تماماً. فالعلم يثابر لتغطية القصور- الحالي – لتفسير كل شيء. و يستخدم ذلك كمنطلق للاستمرار بطرح الأسئلة و بناء النماذج الممكنة و اختبارها حتى نستطيع أن نشق طريقنا خطوة بخطوة نحو الحقيقة. لو حدث شيءٌ ما و كان مناقضاً لفهمنا الحالي للواقع, فسيرى العلماء في ذلك تحدياً لنموذجنا الحالي يتطلب منا تنحيته, أو تغييره على الأقل. هذه التعديلات و الاختبارات المتكررة هي ما يقودنا أقرب ثم أقرب نحو الحقيقة.