Wednesday, August 8, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الخامس و الأخير

ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الخامس و الأخير
DNA يخبرنا أننا أبناء عمومة


على الرغم من أنه قد تعوزنا الأحفورات التي تخبرنا كيف بدا بالضبط أسلافنا الموغلون في القِدَم, إلا أنه ليس لدينا أدنى شك بأن كل الكائنات الحية أبناء عمومتنا, و أبناء عمومة فيما بينهم. و نعلم كذلك أي الحيوانات المعاصرة ذوي قرابة لصيقة بعضهم لبعض ( كالبشر مع الشيمبانزي, و الفئران مع الجرذان), و أيهم ذوي قرابة بعيدة (كالبشر مع الوقواق, و الفئران مع التماسيح). كيف نعرف ذلك؟ بمقارنتهم بطريقة ممنهجة. في عصرنا هذا أقوى الأدلة تأتي عبر مقارنة DNA.
DNA هي المعلومات الجينية التي تحملها كل الكائنات الحية في كل خلاياها. تلك المعلومات موضحة بطول أشرطة بيانات حلزونية الشكل تسمى الكروموسومات. هذه الكروموسومات تشبه إلى حد كبير أشرطة البيانات التي كانت تستخدم مع الحواسيب القديمة, لأن المعلومات التي تحملها رقمية و تم نظمها بطول تلك الأشرطة بترتيب. تتكون من منتظمات طويلة من الشفرة الحروف التي يمكن احصاءها: فكل حرف إما موجود أو غير موجود. ليس هناك حلول وسط. و هذا ما يجعلها رقمية, و ما يجعلني أقول موَضَحة.

كل الجينات, في كل حيوان أو نبات أو بكتيريا تم فحصه هي رسائل مشفرة لكيفية بناء الكائن, مكتوبة باستخدام أبجدية متعارف عليها. تلك الأبجدية مكونة من أربعة حروف فقط (مقابل 26 حرف في الأبجدية الانجليزية), تكتب بهذا الشكل A, C, G,T . نفس الجينات تتكرر في الكثير من المخلوقات مع اختلافات قليلة ذات دلالة. على سبيل المثال, هناك جين يدعى FoxP2, و الذي نجده عند كل الثدييات و العديد من المخلوقات الأخرى. يتكون هذا الجين من أكثر من 2,000 حرف. ستجد في نهاية هذه الفقرة مقطعاً من 80 حرفاً مأخوذة من وسط ال FoxP2, المقطع من الحرف رقم 831 إلى الحرف رقم 910. الصف الأول لإنسان, الأوسط لشيمبانزي, و الصف الأخير هو لفأر. الأرقام في نهاية الصفين الأخيرين تظهر كم عدد الاختلافات في كل الجين بين كل سطر و بين FoxP2 الخاص بالانسان .
يمكنك قول أن FoxP2 هو جين مشترك بين كل الثدييات لأن الغالبية العظمى من حروف الشفرة متطابقة, و هذا يتحقق بطول الجين و ليس مقتصراً على هذا المقطع ذي الثمانين حرفاً. ليست كل الحروف الخاصة بالشيمبانزي مطابقة لحروف البشر, و بشكل أقل في حالة الفئران. الاختلافات تم تمييزها باللون الأحمر. من كل ال 2,076 حرفاً في FoxP2, يختلف الشيمبانزي عنا في 9 حروف, بينما يختلف الفأر ب 139 حرفاً.  و هذا النمط يسري في باقي الجينات أيضاً. وهذا يفسر لماذا الشيمبانزي شديد الشبه بنا, بينما الفئران ليست كذلك.



الشيمبانزي هم أبناء عمومتنا الأقربين, الفئران هم أبناء عمومة بشكل أبعد. "أبناء عمومة بشكل بعيد" تعني أن أقرب سلف 
تشاركناه عاش منذ زمن بعيد. السعدان أقرب إلينا من الفئران لكن أبعد من الشيمبانزي. قرود المكاك و البابون هم أبناء عمومة قريبيّن جداً لبعضهما, حتى أن الجين FoxP2 لديهما شبه متطابق. و هما يقفان على مسافة مع الشيمبانزي تساوي تلك التي يقفون عليها معنا. و عدد حروف ال DNA المختلفة بين البابون و الشيمبانزي داخل FoxP2 و عددها 24 تساوي تقريباً تلك المختلفة بيننا و بين البابون داخل نفس الجين FoxP2 و عددها 23. كل شيء مثالي.

و فقط كي ننهي تلك الفكرة البسيطة تماماً, فإن الضفادع هي أبناء عمومة أبعد بكثير جداً بالنسبة لكل الثدييات. كل الثدييات تتشارك تقريباً نفس عدد الحروف المختلفة بينها و بين الضفادع, لسبب بسيط و هو أن كل الثدييات هي أبناء عمومة للضفادع بشكل متساوي تماماً: فكل الثدييات تشاركت سلفاً مشتركاً (قبل نحو 180 مليون سنة) أقرب من ذلك الذي تشاركته مع الضفادع (قبل نحو 340 مليون سنة).
لكن بالطبع ليس كل البشر متماثلين, و ليس كل البابون متماثلين, و ليس كل الفئران متماثلين. يمكننا مقارنة جيناتك مع جيناتي, حرفاً بحرف. و النتيجة؟ سوف نجد أننا نتشارك حروفاً أكثر من تلك التي قد يتشاركها أياً منا مع الشيمبانزي. لكننا سنظل نجد بعض الحروف المختلفة. ليس الكثير, و ليس هناك سبباً محدداً لنركز على الجين FoxP2 . لكن لو حدث ان أحصيت و جمعت كل أعداد الحروف التي يتشاركها كل البشر في كل جيناتنا, ستجدها أكثر من تلك التي يتشاركها أيٌ منا مع الشيمبانزي. و ستجد أنك تتشارك حروفاً مع ابن عمك أكثر من تلك التي تتشاركها معي. و حتى ستجد أنك تتشارك حروفاً أكثر مع أمك و أبيك و أختك و أخيك ( لو كان لك أخوة). في الحقيقة, يمكنك معرفة كم درجة القرابة بين أي شخصين بِاحصاء عدد حروف ال DNA المشتركة بينهما. إنه لشيئ مثير للإهتمام لتقوم به, و من المحتمل أن نسمع به كثيراً في المستقبل. على سبيل المثال, ستستطيع الشرطة تعقب شخص عن طريق بصمة ال DNA الخاصة بشقيقه.
بعض الجينات متماثلة بشكل ملحوظ ( مع اختلافات طفيفة) في كل الثدييات. احصاء عدد الحروف المختلفة في هذه الجينات مفيد لمعرفة كم درجة القرابة بين أنواع الثدييات المختلفة. هناك جينات الأخرى مفيدة لمعرفة القرابات الأبعد, على سبيل المثال بين الفقاريات و الديدان. و البعض الآخر من الجينات مفيد لمعرفة مدى القرابة داخل النوع الواحد. على سبيل المثال كم درجة القرابة بيني و بينك. في حالة كنت مهتماً, لو حدث أنك انجليزي, فإن أقرب سلف مشترك بيني و بينك ربما عاش فقط منذ قرون قليلة. لو كنت أحد سكان تسمانيا أو أمريكا الأصليين فسيتحتم علينا أن نعود عدة عشرات الآلاف من السنين لنجد سلفنا المشترك. أما لو تصادف أنك أحد الكونج سان الذين يعيشون في صحراء كالاهاري فقد نضطر إلى العودة إلى زمن أبعد.

إنها الحقيقة التي تتعدى كل شك أننا نتشارك سلفاً مع كل نوع حيوان أو نبات آخر على هذا الكوكب. نعرف هذا لأن بعض الجينات مشتركة بشكل واضح بين كل الكائنات الحية, يشمل هذا الحيوانات و النباتات و البكتيريا. و فوق هذا, فإن الشفرة الجينية ذاتها – القاموس الذي أمكننا بواسطته ترجمة الجينات – هي نفسها في كل الكائنات الحية التي فحصناها. كلنا أبناء عمومة. شجرة عائلتك لا تتضمن فقط أبناء العمومة القريبين كالشيمبانزي و السعدان, لكن أيضاً الفئران و الجاموس و الايجوانا و الولب و الحلزون و الهندباء و الصقور الذهبية و المشروم و الحيتان و البكتيريا. كلهم أبناء عمومتنا. كل واحد منهم. أليست تلك الحقيقة أروع بكثير من أي أسطورة؟ و الأكثر روعة أننا نعرف أنها صحيحة تماماً.


Saturday, August 4, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الرابع




ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الرابع
جولة في الماضي


لنقم بتجربة ذهنية أخرى. اصطحب بعض المرافقين في آلة زمن. أدر المحرك و انطلق 10,000 سنة نحو الماضي. افتح الباب و ألقِ نظرة على الناس الذين ستلقاهم. لو حدث أن هبطت في ما يعرف الآن بالعراق, ستجدهم في خِضَم عملية اختراع الزراعة. في معظم الأماكن الأخرى سيكونوا بدائيين , يرتحلون من مكان إلى الآخر, يصطادون حيوانات برية و يجمعون التوت و الجوز و الجذور.  سيكون حديثهم غير مفهوم و ستكون ملابسهم (إن كانوا يرتدون ملابس)غير تقليدية. على الرغم من ذلك, لو كسوتهم بملابس عصرية و منحتهم قصات شعر حديثة لن تستطيع تمييزهم عن البشر المعاصرين ( أو على الأقل لن يختلفوا عنهم إلا بقدر ما يختلف البشر المعاصرين عن بعضهم البعض). و سيكونوا مهيئين تماماً للتناسل مع البشر المعاصرين الذين يرافقونك على متن آلتك الزمنية.




الآن انتق متطوعاً من بينهم ( ربما كان سلفك ال 400, لأن هذا هو الوقت التقريبي الذي عاصره) و انطلق مجدداً بآلتك الزمنية متوغلاً 10,000 سنة أخرى: أي ما يسبق وقتنا الحالي ب20,000 سنة حيث ربما حظيت بفرصة لقاء سلفك ال 800. هذه المرة كل من تراهم سيكونون بدائيين. لكن, مرة أخرى أجسادهم تماماً كأجساد البشر المعاصرين, و مرة أخرى سيكونوا قادرين على التناسل مع البشر المعاصرين و انجاب أطفال يتمتعون بالخصوبة. خذ أحدهم معك في آلة الزمن, و انطلق 10,000 سنة أخرى نحو الماضي. استمر بفعل ذلك, قافزاً في كل مرة 10,000 سنة نحو الماضي, و في كل مرة قف و اصطحب مسافراً أو مسافرة جديداً و خذه(ا) نحو الماضي.

ما يهمنا في النهاية أنه بعد الكثير من القفزات التي يبلغ كل منها 10,000 سنة, ربما بعد أن نجتاز عتبة المليون سنة في الماضي, ستبدأ ملاحظة أن الأناس الذين تلتقي بهم بعد أن تخرج من آلة الزمن مختلفين عنا تماماً, و غير قادرين على التناسل مع المرافقين الذين صحبوك في أول الرحلة. لكنهم سيكونوا قادرين على التناسل مع أولئك الذين أضيفوا مؤخراً إلى قائمة المسافرين, و الذين هم قدماء تقريباً بقدرهم.



جدك ال 250,000
(منذ 6,000,000 سنة)
أنا الآن فقط أؤكد على نفس النقطة التي ذكرتها سابقاً - عن كون التغيير التدريجي غير مُدرَك, تماماً كحركة عقرب الساعات في الساعة - لكن عن طريق تجربة ذهنية مختلفة . تلك النقطة تستحق الذكر بطريقتين مختلفتين, لأنها رغم أهميتها فإن البعض يجد صعوبة – بشكل يمكن تفهمه - في تقبلها.
لنستكمل رحلتنا في الماضي و نتوقف عند بعض المحطات في طريقنا نحو تلك السمكة الجميلة. لنفترض أننا وصلنا بآلتنا الزمنية إلى المحطة المعنونة ب’ 6,000,000 سنة ماضية. ماذا سنجد هناك؟ بفرض أننا كنا في أفريقيا, فإننا سنجد أسلافنا من الجيل ال 250,000 (زد أو انقص عدة أجيال). إنهم قرود, و ربما بدوا أشبه بالشيمبانزي لكنهم ليسوا شيمبانزي. في الحقيقة, سيكونون السلف المشترك بيننا و بين الشيمبانزي. سيكونون مختلفين عنا لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بيننا. و مختلفين عن الشيمبانزي لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بينهما أيضاً. لكن سيمكنهم التزاوج مع المسافرين الذين اصطحبناهم من المحطة 5,990,000 سنة ماضية . و ربما أمكنهم التزاوج مع أولئك من المحطة 5,900,000 سنة ماضية. لكن ربما ليس مع أولئك الذين ينتمون ل4,000,000 سنة ماضية.






جدك ال 1,500,000
(منذ 25 مليون سنة)


لنواصل الآن قفزاتنا ذات العشرة آلاف سنة وصولاً إلى المحطة 25,000,000 سنة ماضية. سنجد هناك سلفك (و سلفي) ال1,500,000 حسب تقديرنا التقريبي. لن يكونوا قروداً, لأن لهم ذيول. سوف نظنهم شيمبانزي لو رأيناهم اليوم, رغم أنهم يَمِتّون بالقرابة للشيمبانزي المعاصر بقدر ما يَمِتّون بالقرابة لنا. رغم كونهم مختلفين عنّا, و غير قادرين على التزاوج معنا أو مع الشيمبانزي المعاصر, فإنهم سيكونون قادرين على التزاوج بكفاءة مع المسافرين معهم الذين انضموا الينا في المحطة (24,990,000 سنة). دائماً تغيير تدريجي, تدريجي.













جدك رقم 7,000,000
(منذ 63,000,000 سنة)




نستمر بالتوغل أكثر فأكثر, 10,000 سنة كل مرة, غير عاثرين على أي تغيير ملحوظ في كل محطة. لنتوقف و نرى من يرحب بنا عندما نصل للمحطة  63,000,000 سنة ماضية. هنا يمكننا أن نصافح ( أو نشد على مخالب؟) سلفنا ال 7,000,000. انهم يشبهون حيوان الليمور – نوع من القرود - أو الجلاجو, و هم بالفعل أسلاف كل الليمور و الجلاجو المعاصر, كم أنهم أسلاف كل الشيمبانزي المعاصر و القرود, و ذلك يشلمنا.
إنهم على درجة قرابة مع البشر المعاصرين تساوي نظيرتها مع الشيمبانزي المعاصر. و هي نفس درجة القرابة مع الليمورأو الجلاجو المعاصر. ليس لهم القدرة على التزاوج مع أيٍ من الحيوانات المعاصرة. لكن على الأرجح سيستطيعون التزاوج مع المسافرين الذين التقطناهم من المحطة 62,990,000 سنة ماضية. لنرحب بهم على متن آلة الزمن و نسرع أكثر نحو الماضي.











جدك ال 45,000,000
(منذ 105,000 سنة) 
  

في المحطة 105,000,000 سنة ماضية سنقابل أسلافنا الذين يسبقوننا ب 45,000,000 جيل.هو سلف مشترك لكل الثدييات المعاصرة ماعدا الجرابيات ( توجد الآن غالباً فقط في أستراليا و القليل في أمريكا) و الحيوانات وحيدة المسلك ( منقار البطة و آكل النمل, يعيشان الآن  فقط في استراليا و غينيا الجديدة). يظهر في الصورة بصحبة طعامه المفضل في فمه, حشرة. إنه على نفس درجة القرابة مع كل الثدييات الحديثة, رغم أنه قد يبدو أقرب شبهاً لبعضهم من الآخرين.
جدك ال 170,000,000
(منذ 310 مليون سنة)
المحطة '310,000,000 سنة ماضية' تقدم لنا السلف 170,000,000. إنها السلف المشترك لكل الثدييات المعاصرة, و كل الزواحف المعاصرة – الثعابين و السحالي و السلاحف و التماسيح – و كل الديناصورات ( و هذا يشمل الطيور, لأن الطيور تطورت من الديناصورات). انها على نفس درجة القرابة من كل تلك الحيوانات المعاصرة, رغم انها تبدو أقرب شبهاً بالسحالي. و ما يعنيه هذا هو أن السحالي تغيرت بمقدار أقل من الثدييات مذاك الحين.
















جدك ال 175,000,000
(منذ 340 مليون سنة)

لقد أصبحنا مسافرو زمن محنَّكين الآن, لن نصبر طويلاً قبل أن نلتقى السمكة التي تحدثت عنها سابقاً. لنتوقف مرة أخيرة قبل النهاية: في المحطة  340,000,000 سنة ماضية, حيث سنقابل سلفنا ال 175,000,000. إنه يبدو أشبه بالسلمندر, و هو سلف مشترك لكل البرمائيات المعاصرة ) السلمندر و الضفادع), و كذلك لكل الفقاريات البرية.


نستمر حتى نصل للمحطة 417,000,000 سنة ماضية حيث تلتقي سلفك ال 185,000,000, السمكة التي أوردناها سابقاً. و من هناك نستطيع أن نتوغل أكثر في الزمن, ملتقين المزيد و المزيد من الأسلاف, و الذين يشملون أنواعاً عديدة من الأسماك ذات الفك, ثم تلك التي لا تمتلك فكاً, ثم..حسناً, ثم تبدأ معارفنا تختفي داخل نوع من ضباب عدم اليقين, لأن أحفوراتنا تبدأ بالنفاذ بوصولنا لتلك الأزمنة السحيقة.





Wednesday, August 1, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثالث



ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الثالث
تحجر الأحفورات


الآن, كيف لنا أن نعرف الهيئة التي بدا عليها أسلافنا, و كيف نعرف متى عاشوا؟ غالباً من خلال الأحفورات. كل صور أسلافنا التي تضمنها هذا الفصل هي إعادة تشكيل مبنية على الأحفورات و تم تلوينها بمقارنتها مع الحيوانات المعاصرة.
تتكون الأحفورات من صخور. إنها صخور التقطت أشكال حيوانات و نباتات ميتة. لا تتاح للغالبية العظمى من الحيوانات فرصة أن تتحول إلى أحفورات حين تموت. إذا أردت أن تحفظ نفسك كأحفورة, فإن الخدعة تكمن في أن تحرص على أن تُدفن في نوع الطمي أو الطين المناسب, النوع الذي قد يتصلب في النهاية مكوناً
صخراً رسوبياً.
ما الذي يعنيه صخر رسوبي ؟ الصخورعلى ثلاثة أنواع: بركانية, رسوبية, متحولة. سأتجاهل الصخور المتحولة, لأنها في كانت الأصل أحد النوعين الآخرين(بركانية أو رسوبية) ثم تحولت بفعل الضغط و/أو الحرارة. الصخور البركانية كانت في وقت ما ذائبة, كما الحال بالنسبة للحمم الحارة التي تتدفق من البراكين الثائرة الآن, ثم تصلبت في شكل صخور عندما بردت. الصخور الصلبة من أي نوع تتآكل بفعل الرياح أو الماء لتتفتت إلى صخور أصغر, حصى, رمال و تراب. الرمل و التراب يعلق بالماء ثم قد يستقر في طبقات من الترسبات أو الطمي في قاع البحر أو البحيرة أو النهر. بمرور زمن طويل, الترسبات تتصلب مُكوّنةً طبقات من الصخور الرسوبية. على الرغم من أن الطبقات تكون مسطحة و أفقية عندما تنشأ, فإنها و بحلول الوقت الذي نراها فيه بعد ملايين السنين غالباً ما تكون قد تشوهت أو انحرفت أو قُلبت ( لمعرفة كيف يحدث ذلك, طالع الفصل العاشر الخاص بالزلازل).
لنفترض الآن أن حيواناً ميتاً انجرف في الطمي
, في مصب النهر ربما. إذا تصلب الطمي لاحقاً ليصبح صخرة رسوبية, فإن جثة الحيوان قد تتحلل داخل الصخرة المتصلبة تاركةً أثراً غائراً على هيئتها سنجده في نهاية المطاف. هذا أحد أنواع الأحفورات – نوع من الصور السالبة ‘negative’ للحيوان. و قد يشكل هذا الأثر الغائر قالباً تتسرب اليه ترسيبات جديدة, تتصلب فيما بعد مُشَكّلةً صورة موجبة مطابقة للمظهر الخارجي لجسم الحيوان, و هذا نوع ثاني من الأحفورات. و هناك نوع ثالث يتم فيه استبدال ذرات و جزيئات جثة الحيوان, واحدة تلوة الأخرى بذرات و جزيئات المعادن الذائبة في الماء. والتي تتبلر لاحقاً مشكلةً صخوراً. و هذا أفضل أنواع الأحفورات, لأنه و ببعض الحظ, فإن التفاصيل الدقيقة في داخل الحيوان يتم إعادة تشكيلها بشكل يبقى للأبد, و يتم ذلك مباشرةً في قلب الأحفورة.
يمكن حتى للأحفورات أن تُؤرَّخ. يمكننا معرفة عمرها غالباً عن طريق قياس النظائر المشعة في الصخور. سنعرف ما هي النظائر و ما هي الذرات في الفصل الرابع. باختصار, النظائر المشعة هي نوع من الذرات يتحلل ليصير نوعاً آخر من الذرات. على سبيل المثال, أحد هذه النظائر يُدعى يورانيوم-238 يتحول إلى رصاص-206. و لأننا نعلم كم من الوقت تستغرق تلك العملية, يمكننا أن نفكر في النظائر كساعات مشعة. الساعات المشعة هي إلى حد ما شبيهة بساعات الماء و ساعات الشمع التي استخدمها الناس قبل اختراع ساعات البندول. خزان مياه به فتحة في القاع سوف يجف بمعدل محسوب. لو أن الخزان مُلِئَ عند الفجر, يمكنك أن تعرف كم من النهار قد مر بقياس المستوى الحالي للماء. المثل مع ساعات الشمع. الشمعة تذوي بمعدل ثابت, لذا يمكنك معرفة كم من الوقت مر منذ تم إشعالها بقياس طول الشمعة الحالي. في حالة ساعة اليورانيوم-238, فنحن نعرف أن اليورانيوم-238 يستغرق 4.5 بليون سنة ليتحلل نصفه إلى رصاص-206. يسمى هذا
نصف عمر اليورانيوم-238. لذا, بقياس كم الرصاص-206 في الصخرة مقارنةً بكم اليورانيوم-238 يمكننا حساب كم من الوقت مر منذ اللحظة التي لم يكن بها رصاص-206 بالمرة و كان كل ما هناك هو اليورانيوم-238.بعبارة أخرى, كم من الوقت مر منذ تصفير الساعة.
و متى يتم تصفير تلك الساعة؟ حسناً, يحدث ذلك فقط مع الصخور البركانية التي يتم تصفير ساعاتها في اللحظة التي تتصلب فيها الحمم الذائبة لتصير صخوراً. لا يحدث هذا مع الصخور الرسوبية التي ليس لها لحظة صفر, و هذا مدعاةٌ للأسف لأن الأحفورات يمكن العثور عليها فقط في الصخور الرسوبية. لذا فإن الحل يكمن في العثور على صخور بركانية في مكان ما حول الطبقات الرسوبية و استخدامها كساعة. على سبيل المثال, لو أن أحفورة وُجِدت في صخرة رسوبية تعلوها صخرة بركانية عمرها 120 مليون سنة و تسفلها صخرة بركانية عمرها 130 مليون سنة, فستعرف أن هذه الأحفورة عمرها بين ال 120 إلى 130 مليون سنة. بتلك الطريقة تم التوصل لكل التواريخ التي ذكرتها في هذا الفصل. كلها تواريخ تقريبية لا يجوز أخذها على محمل الدقة.
اليورانيوم-238 ليس النظير المشع الوحيد الذي يمكن استخدامه كساعة. هناك المزيد من النظائر و التي تمنحنا مجالاً واسعاً من أنصاف العمر. على سبيل المثال, الكربون-14 له نصف عمر يبلغ 5730 سنة فقط. وهو ما يجعله مناسباً لعلماء الآثار الذين يبحثون في التاريخ الإنساني. من الحقائق الممتعة أن العديد من الساعات المشعة لها نطاقات وقتية متداخلة, لذا أمكن استخدامهم في مواجهة بعضهم البعض للتحقق من دقتهم. و ثبت ذلك في كل مرة.
الكربون-14 يعمل بطريقة تختلف عن الآخرين لا تتمحور حول الصخور البركانية و إنما حول رفات الكائنات الحية نفسها, الخشب العتيق على سبيل المثال. إنه أحد أسرع الساعات المشعة التي نعرفها. لكن 5730 سنة لازالت فترة أطول بكثير من العمر البشري, لذا ربما تساءلت كيف تأتّى لنا أن نعرف أن هذا هو نصف عمر الكر
بون-14. ناهيك عن كيفية معرفتنا بأن نصف عمر اليورانيوم-238 هو 4.5 بليون سنة! الإجابة سهلة. ليس علينا أن ننتظر تحلل نصف الذرات. نستطيع أن نقيس معدل تحلل نسبة ضئيلة من الذرات ثم نحسب نصف العمر, ربع العمر أو 1/100  من العمر, و هكذا.

Tuesday, July 31, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثاني


ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الثاني
من كان أول البشر "فعلاً" ؟


ربما فاجأك هذا, لكن لم يكن هناك أبداً أول إنسان. لأن كل شخص حتماً له والدين, و هذان الوالدان لابد أن يكونا بشراً أيضاً. المثل مع الأرانب. لم يكن هناك أبداً أول أرنب, ولا أول تمساح, ولا حتى أول يعسوب. كل كائن وُلِد يوماً كان من نفس نوع والديه ( ربما كان هناك بعد الاستثناءات القليلة التي سأتجاهلها هنا). و بالتالي كل كائن وُلِد يوماً كان من نفس نوع أجداده. و أجداد أجداده. و أجداد أجداد أجداده. و هلُمَ جرا حتى الأبد.
حتى الأبد؟ حسناً. لا, ليس الأمر بهذه البساطة. هذا سيتطلب بعض الشرح, و سأبدأ بتجربة ذهنية. التجربة الذهنية هي تجربة تجري في مخيلتك. ما سنقوم بتخيله هو حرفياً غير ممكن لأنه سيأخذنا نحو حقب زمنية موغلة في القدم, قبل أن نولد بكثير.لكن استحضارها في مخيلاتنا سيعلّمنا شيئاً هاماً. لذا, إليك تجربتنا الذهنية. كل ما عليك فعله هو أن تتخيل نفسك متًّبعاً تلك الإرشادات.
=اجلب صورتك الشخصية. ثم خذ صورة لوالدك و ضعها فوقها. ثم صورة لوالد والدك, جدك. ثم ضع فوق ذلك صورة لوالد جدك, جدك الأكبر. ربما لم يحدث أبداً أن قابلت أياً من آباء أجدادك. أنا لم أحظَ بتلك الفرصة أيضاً, لكني أعرف أن أحدهم كان مديراً لمدرسة قروية, و أحدهم طبيباً قروياً, و الآخر مراقباً للغابات في الهند البريطانية, و رابعهم كان محامياً مات بينما كان يتسلق الصخور في سن متقدمة. حتى لو لم تكن تعرف كيف كان يبدو والد جدك, مازال بإمكانك أن تتخيله في صورة ضبابية, ربما كصورة بنية باهتة في حافظة جلدية. الآن افعل المثل مع والده, جد جدك. استمر في تكديس الصور بعضها فوق بعض, متوغلاً في القِدَم نحو المزيد و المزيد من أجداد الأجداد. يمكنك فعل هذا حتى لو تعديت زمن اختراع التصوير: هذه تجربة ذهنية على أي حال.
كم من الأسلاف سنحتاج في تجربتنا الذهنية؟ حسناً, مجرد 185 مليون سَيَفونَ بالغرض!
ليس من السهل تخيل كومة من 185 مليون صورة. كم سيبلغ ارتفاعها؟ حسناً, لو أن كل صورة تمت طباعتها كصورة بطاقة بريدية عادية, فإن 185 مليوناً منها ستُشَكِّل برجاً بارتفاع 16,000 قدم. هذا يمثل أكثر من 40 من ناطحات سحاب نيويورك موضوعة بعضها فوق بعض. طويلة لدرجة أنه يصعب صعودها, ناهيك عن امكانية سقوطها (و هو ما سيحدث). لذا دعنا نميلها بحرص على جانبها, و نضع الصور بطول رف كتب وحيد.
كم سيبلغ طول هذا الرف؟ حوالي ثلاثة أميال.
الطرف الأقرب لرف الكتب هو صورتك, و الطرف الأبعد هو صورة لسَلَفك ال185 مليون. كيف كان يبدو؟ رجل مسن ذو شعر أشعث و لحية بيضاء؟ رجل كهف متدثر بجلد نمر؟ انس هكذا أفكار. نحن لا نعلم كيف كان يبدو بالتحديد, لكن الأحفورات منحتنا تصوراً جيداً. سَلَفَك ال185 مليون بدا هكذا -----------------------------------------------------
<


نعم, هذا صحيح, جدك ال185 مليون كان سمكة. و بالمثل كانت جدتك ال 185 مليون. و هذا منطقي و إلا لما أمكنهم التناسل و لما كنت هنا الآن.
لنمشي الآن بطول رف الصور الذي يبلغ طوله ثلاثة أميال, نستخرج الصور واحدةً تلو الأخرى و ننظر إليها. كل صورة تظهر مخلوقاً ينتمي لنفس النوع في الصورتين السابقة و التالية لها. كل واحدة تبدو تماماً كَجارَتَيّها في الصف – أو على الأقل بنفس مقدار الشبه بين أب و ابنه. على الرغم من ذلك لو مشيت مباشرةً من أحد طرفي الرف إلى الطرف الآخر, ستجد بشرياً عند أحدهم و سمكة عند الآخر. و كثير من الأسلاف الآخرين المثيرين للإهتمام فيما بينهما, و هم كما سنرى قريباً يتضمنون بعض الحيوانات التي تبدو كالقرود, آخرين يبدون كالسعدان, و البعض الآخر يبدو كالزبابة – حيوان قارض -, و هكذا. كل منهم يبدو كجارَيه في الصف, لكن لو حدث أن التقطت صورتين من مكانين متباعدين في الصف ستبدوان مختلفَتَيّن جداً, و إذا تتبعت الصف بدءاً من البشر متوغلاً في الزمن بشكلٍ كافٍ, ستنتهي إلى سمكة. كيف لهذا أن يحدث؟
في الحقيقة, ليس استيعاب الأمر بهذه الصعوبة. فنحن معتادون إلى حد كبير على قدرة التغييرات التدريجية خطوة صغيرة بخطوة, واحدة تلو الأخرى على إحداث تغيير كبير. كنت رضيعاً في وقت ما و لم تعد كذلك الآن. و عندما يتقدم بك العمر كثيراً سيتغير مظهرك مجدداً. على الرغم من ذلك, عندما تصحو من نومك كل يوم فأنت الشخص ذاته الذي كنته الليلة الفائتة. الرضيع يكبر ليتعلم المشي, ثم يكون طفلاً, ثم مراهقاً, ثم شابأ صغيراً, ثم شاباُ يافعاً, ثم كهلاً بعد ذلك. و التغيير يتم بشكل تدريجي. ليس باستطاعتك يوماً أن تقول " هذا الشخص توقف فجأةً عن كونه رضيعاً و أصبح طفلاً". لم يحدث أن قلت ذات يوم: "بالأمس كان ذلك الرجل يافعاً, و الآن صار مسناً".
هذا يساعدنا على فهم تجربتنا الذهنية التي تأخذنا إلى الخلف 185 مليونأ من الأجيال عبر أسلاف الأسلاف وصولاً إلى سمكة. و قد نعكس الإتجاه متقدمين في الزمن, و هو ما حدث عندما قام سلفك سَمَكيّ الصفات بإنجاب طفل سَمَكيّ الصفات, الذي أنجب بدوره طفلاً سَمَكيّ الصفات, والذي أنجب بدوره طفلاً...و هكذا, 185 مليون (بالتدريج أقل سَمَكيّة) جيلاً. انتهت إليك.
إذا فقد كان الأمر تدريجياً جداً – تدريجي لدرجة أنك لن تلحظ فارقاً إذا عدت ألف سنةٍ إلى الوراء. و حتى عشرة آلاف سنة, و هو ما يعني أنك عدت 400 جيل من أسلافك. أو بالأحرى, سوف تلاحظ العديد من التغييرات الطفيفة على طول الطريق, لأنه لا أحد يبدو كوالده تماماً. لكنك لن تلحظ توجهاً عاماً. عشرة آلاف عام من الزمن سابقة للبشر الحاليين ليست كافية لتظهر توجهاً. صورة سلفك الذي ينتمي لعشرة آلاف سنة فائتة لن تختلف عن البشر الحاليين, بالطبع لو استثنينا الاختلافات الظاهرية في شكل الملابس و الشعر و اللحية. لن يختلف عنّا إلا بمقدار ما يختلف بعض البشر الحاليين عن البعض الآخر.
ماذا عن مائة ألف سنة, حيث ستقف إزاء سلفك الذي سبقك ب 4000 جيل؟ حسناً, الآن قد يكون هناك تغييراً ملحوظاً. ربما ازدياد طفيف في سماكة الجمجمة, خاصة تحت الحواجب. لكنه سيظل فقط طفيفاً. لنعُد الآن أكثر في الزمن. لو أنك تجاوزت المليون سنة الأولى في الرف, فإن صورة سلفك الذي سبقك ب 50000 جيل ستكون مختلفة بالقدر الذي يمكننا من تصنيفها كنوع مختلف. النوع الذي نسميه “Homo Erectus”. البشر اليوم كما تعلم معروفون بال “Homo Sapiens”. “Homo Erectus”و“Homo Sapiens” لن يتمكنوا في الغالب من التناسل معاً. و حتى لو أمكن ذلك, لن يتمكن طفلهما من الإنجاب – بنفس الشكل التي لا يتمكن به البغل تقريباً في كل الأحوال من التكاثر(سنرى التبرير في الفصل القادم), و البغل الذي هو نتيجة تزاوج حمار و فرسة.


مرةً أخرى, كل شيء تدريجيّ. أنت “Homo Sapiens”و سلفك الذي يسبقك ب 5000 جيل كان “Homo Erectus”. لكن لم يحدث أبداً أن قام أحد ال “Homo Erectus”فجأة بإنجاب طفل من ال“Homo Sapiens”.
لذا فإن سؤال "من كان أول البشر و متى عاش؟" ليس له إجابة محددة. إنها إجابة غامضة نوعاً ما, مثل إجابة سؤال " متى توقفت عن كونك رضيعاً و أصبحت طفلاً؟". في نقطةٍ ما, ربما منذ أقل من مليون سنة لكن أكثر من مائة ألف سنة, كان أسلافنا مختلفين عنّا لدرجة أن شخصاً معاصراً لن يكون بإمكانه أن يتناسل معهم لو حدث أن التقوا.
ما إذا كان بمقدرتنا أن ندعو ال“Homo Erectus” بشراً هو سؤال مختلف. إنه سؤال يتمحور حول كيفية استعمالك للمفردات – سؤال عن دلالات الألفاظ. ربما يحلو لبعض الناس الناس تسمية الحمار الوحشي بالحصان المخطط, لكن البعض الآخر قد يفضل أن يحتفظ بالإسم "حصان" خاصاً بالنوع الذي نمتطيه. هو مجرد سؤال آخر عن دلالات الألفاظ. قد تفضل الإحتفاظ بكلمات "شخص", "رجل" و "امرأة" لتطلقها على ال“Homo Sapiens”. هذا يعود لك. لكن لا أحد سيرغب بإطلاق لفظة "رجل" على سلفك السمكي الذي سبقك ب 185 مليون جيل. سيكون ذلك سخيفاً, حتى لو كان هناك سلسلة متصلة تصلكما و كانت كل حلقة من تلك السلسة هي من نفس النوع الذي تنتمي إليه جارتيها السابقة و اللاحقة.

Wednesday, July 25, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الأول

ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الأول
من كان أول البشر؟


معظم فصول هذا الكتاب تم عنونتها بسؤال. قصدت بذلك أن أجيب عن السؤال أو على الأقل أعطي أفضل إجابة ممكنة, إجابة العلم. لكني عادةً ما أبادر بإجابة أسطورية لأنها تبدو أكثر إثارةً و جذباً, و لأن الناس على مر العصور آمنت بها. بعضهم لا يزال.
كل الشعوب في أرجاء العالم لديها أساطير نشأة تفسر من أين أتى البشر. العديد من أساطير النشأة عند القبائل تقتصر في حديثها على تلك القبائل بالذات كما لو أنه ليس هناك قبائل أخرى! بنفس الطريقة, العديد من القبائل لديها قاعدة تنص على عدم جواز قتل الناس, لكن اتضح أن "الناس" تعني فقط الآخرين من أبناء قبيلتك. قتل أبناء القبائل الأخرى لا بأس به!

إليك أسطورة نشأة نموذجية ترجع لمجموعة من سكان تسمانيا الأصليين. إله يُدعى "مُويني" لحقت به الهزيمة من قِبَل إله منافس يُدعى "درومردينر" بعد معركة مريرة جرت بين النجوم. مُويني هوى نحو تسمانيا ليموت. أراد قبل موته أن يبارك مثواه الأخير, لذا قرر أن يخلق البشر. لكنه كان في عجلةٍ من أمره لعلمه بأنه يموت لدرجة أنه نسي أن يخلق للبشر رُكَب. و في لحظة غاب فيها ذهنه ( لانشغاله بورطته بلا شك) خلق للبشر ذيولاً طويلة كالكنجارو, مما يعني أنهم لن يستطيعوا الجلوس, ثم مات. عانى الناس من ذيول الكنجارو خاصتهم و عدم امتلاكهم لرُكَب. و جأروا بالشكوى للسماء لتساعدهم.
            درومردينر العظيم, الذي كان لا يزال يجوب السماء صاخباً مستعرضاً انتصاره سمع شكواهم و هبط إلى تسمانيا ليستطلع الأمر. أشفق على الناس, و من ثم منحهم رُكَباً قابلة للطي و قَطَع ذيول الكنجارو غير المريحة ليتمكنوا من الجلوس في النهاية. و عاشوا بسعادة بعد ذلك.
من حين لآخر نعثُر بنسخة مختلفة من ذات الأسطورة. ليس ذلك مُستَغرباً لأن الناس يميلون عادةً لتعديل التفاصيل بينما يحكون القصص حول نار المخيم, لذلك تتباعد النسخ المحلية من ذات القصة. في رواية أخرى من تلك الأسطورة التسمانية, مويني خلق أول انسان في السماء,اسمه بارليفر. بارليفر لم يستطع الجلوس لامتلاكه ذيل كنجارو و رُكَباً غير قابلة للطي. كما في السابق, الإله البارز المنافس درومردينر أتى لإنقاذ الموقف. منح بارليفر رُكَباً مناسبة و قطع ذيله, مداوياً الجرح بالشحم. بارليفر هبط لاحقاً إلى تسمانيا متخذاً الطريق السماوي ( درب اللبانة).

كان للقبائل العبرانية في الشرق الأوسط إله وحيد نظروا إليه باعتباره الأعظم بين آلهة القبائل المنافسة. كان له عدة أسماء, لم يكن مسموحاً لهم التلفظ بأحدها.خلق ذلك الإله أول انسان من تراب و أسماه آدم ( و الذي يعني "رجل"). تعمد ذلك الإله أن يخلق آدم على صورته. في الحقيقة, معظم الآلهة على مر التاريخ تم تمثيلها على هيئة رجال (و أحياناً نساء), لكن غالباً بحجم أكبر و دائماً بقدرات فوق طبيعية.
أسكن الرب آدم في جنة جميلة تُسَمَّى عدن عامرة بالأشجار التي سُمِحَ لآدم أن يأكل من ثمارها مع استثناء وحيد. الشجرة المُحَّرمة كانت "شجرة معرفة الخير و الشر", ترك الربُ آدمَ واثقاً من أنه لن يقرب ثمارها.
أدرك الإله لاحقاً أن آدم قد يحس بالوحدة و أراد أن يتصرف إزاء ذلك. وفي تلك النقطة – كما في قصة درومردينر و مويني – هناك نسختين من الأسطورة, كلتاهما وردت في سِفر التكوين. في النسخة الأكثر تشويقاً, خلق الرب كل الحيوانات مُسَخَّرين لآدم, ثم لاحظ أن شيئاً ما لا يزال مفقوداً. امرأة! لذا أعطى آدم مُخًّدِراً عاماً, قام بفتح شق و انتزع أحد الأضلاع ثم خاطه مجدداً. قام بعدها بتنشئة امرأة من ذلك الضلع. أسماها حواء و قدمها لآدم كزوجة.
لسوء الحظ, كان هناك ثعبان شرير في الجنة, اقترب من حواء و أقنعها أن تعطي آدم ثمرة شجرة معرفة الخير و الشر المحرمة. آدم و حواء أكلا الثمرة فأدركا في التو حقيقة أنهما عاريين.
أربكهما ذلك فصنعا لنفسيهما ازارين من أوراق التين. عندما رأى الرب ذلك غضب جداً  لأنهما أكلا الثمرة و اكتسبا المعرفة – و خسرا براءتهما, كما أعتقد -. طردهما من الجنة و حكم عليهما و على نسلهما بحياة الشقاء و الألم. حتى اليوم, فإن الكثير من الناس ما زالوا يأخذون القصة السيئة لعصيان آدم و حواء على محمل الجد تحت اسم "الخطيئة الأصلية". حتى أن بعض الناس يعتقدون أننا ورثنا تلك " الخطيئة الأصلية" عن آدم و أننا مشاركون في الإثم ( على الرغم من أن العديد منهم يعترف أن آدم شخصية غير حقيقية بالأساس!).

الشعوب الشمالية التي تقطن اسكندنافيا المعروفون ب"بحارو الفايكنج" عبدوا العديد من الآلهة شأنهم شأن الاغريق و الرومان. اسم إلههم الرئيسي كان "أودين", و أحياناً كان يُدعى ب "ووتان" أو "وودن". و هو أصل كلمة "Wednesday". (“Thursday” ترجع إلى إله شمالي آخر “Thor”, إله الرعد الذي اعتاد توليده بمطرقته الهائلة.)
في ذات يوم كان أودين يمشي على الشاطيء بصحبة اخوته الذين كانوا آلهةً بدَوّرهم
فوجدوا جذعي شجر. قاموا بخلق أول رجل من جذع الشجرة الأول و أسموه "آسك", و حوَّلوا الجذع الثاني إلى أول امرأة و أسموها "امبلا". بقيامهم بخلق أول رجل و امرأة, قامت الآلهة أخوة "أودين" بنفث الحياة فيهما, ثم تلوا ذلك بمنحهما الوعي و الوجوه و القدرة على الحديث.
أتساءل لماذا جذوع الأشجار؟ لماذا ليست رقاقات الثلج أو كثبان الرمال؟ أليس من المدهش أن نتساءل من اختلق تلك القصص و لماذا؟ هل نفترض أن المختلقين الأوائل لهذه الأساطير علموا بأنها خيالية لحظةَ اختلقوها؟ أم هل تظن أن أناساً مختلفين ينتمون إلى أزمنة و أماكن مختلفة اختلقوا أجزاءً متعددة من القصص كل على حدة, ثم قام أناسٌ آخرين بتجميع أجزاء القصة في وقت لاحق بعد تعديل بعضها غير مدركين أن تلك الأجزاء هي في الأصل مختلقة؟

القصص شيءٌ رائع و كلنا يستمتع بترديدها. لكن عندما نسمع قصة مبهجة, سواءً كانت أسطورة قديمة أو خرافة حديثة انتشرت عبر الانترنت, فانه حريٌ بنا أن نقف و نتساءل ما إذا كانت القصة – أو أي جزء منها – حقيقي. لذا لنسأل أنفسنا هذا السؤال – من كان أول بشري؟ - و لنلقِ نظرة على الإجابة العلمية الصحيحة.

Monday, July 9, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الأول - المقطع الرابع و الأخير

ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الأول - المقطع الرابع و الأخير
السحر الهاديء للتطور

إن تحويل كائن مُعقّد الى كائن مُعقّد آخر في خطوة وحيدة – كما في القصص الخيالية – لهو بالفعل ضربٌ من الخيال. لكن تلك الكائنات المُعقّدة موجودة بالفعل. كيف نَشَأَت؟ كيف استطاعت كائنات معقّدة كالضفادع و الأسود, السعدان (البابون) و أشجار أثاب, الأمراء و اليقطينات, كائنات مثلك و مثلي أن تبرز إلى الوجود؟ ظل هذا السؤال مُحيّراً حتى وقتٍ قريب. فلم يستطع أحد أن يجيب عنه بشكل صحيح. لذلك اختلق الناس قصصاً مُحاولين الاجابة عنه. لكن السؤال أُجيب عنه لاحقاً – و ببراعة - في القرن التاسع عشر بواسطة أحد أعظم العلماء الذين شهدتهم الحياة, شارلز داروين. سأستغل باقي هذا الفصل لشرح اجابته بشكل مختصر و بأسلوب يختلف عن 
ذلك الذي انتهجه داروين نفسه.

الإجابة هي أن الكائنات المُعَقَّدة كالإنسان, والتماسيح وحتى القنبيط لم تنشأ فجأة. و إنما بالتدريج, خطوة صغيرة تتلوها أخرى بحيث يختلف بشكل ضئيل للغاية ما كان هناك بعد كل خطوة عمّا كان عليه قبلها. تخيل أنك أردت أن تُنشيءَ ضفدعاً بأرجلٍ طويلة. ربما تكون انطلاقة طيبة أن تبدأ بشيءٍ لا يختلف كثيراً بالفعل عن ما أردت الإنتهاء إليه: لنَقُل ضفدعاً بأرجلٍ قصيرة. ستتفحص ضفادعك قصيرة الأرجل و تقيس أطوال أرجُلِها. ثم تنتقي بعض الذكور و الإناث الذين يمتازون عن المجموع بأرجُل أطول قليلاً. زاوِجهم بينما تمنع أقرانهم من التزاوج نهائياً. الذكور و الإناث ذوي الأرجل الأطول ستنتج شراغفاً تنمو أرجلها لاحقاً لتصير ضفادع. قُم بعدها بقياس هذا الجيل الجديد من الضفادع و مجدداً انتقِ الذكور و الإناث ذوي الأرجل التي يزيد طولها عن المتوسط, و دعهم يتزاوجون معاً.   

بتكرار ذات الفعل لعشرة أجيال ربما تبدأ بملاحظة شيء مثير للاهتمام. متوسط طول الأرجل لمجموعة الضفادع خاصتك سيكون أكبر بشكل ملحوظ عن ذلك الخاص بالمجموعة الإبتدائية. ربما حتى وجدت أن كل الضفادع من الجيل العاشر لديها أرجل أطول من أي من تلك التي تنتمي للجيل الأول. ربما لا تكفي عشرة أجيال لتحقيق ذلك: ربما تُضطر للمتابعة لعشرين جيلاً و ربما أكثر. لكن يمكنك في النهاية أن تقول بفخر " لقد أنشأت نوعاً جديداً من الضفادع ذو أرجل أطول من تلك التي حازها النوع القديم".

لم تكن هناك حاجة لصولجان أو أي نوع من السحر. ما قمنا به هنا هو عملية تدعى "التربية الانتقائية". وهي عملية تستفيد من حقيقة أن الضفادع تتنوع فيما بينها و هذه التنوعات يتم توارثها –  بمعنى آخر, تمريرها من الآباء للأبناء عبر الجينات -. ببساطة نستطيع انشاء نوع جديد من الضفادع عن طريق تحديد أيها يتزاوج و أيها لا يفعل.

الأمر بسيط. أليس كذلك؟ لكن قيامنا بإطالة الأرجل ليس بالشيء المبهر. لقد بدأنا بضفادع على أية حال – فقط كانت ضفادع قصيرة الأرجل - . لنفترض أنك عِوضاً عن البدء بنوعية قصيرة الأرجل من الضفادع, فإنك بدأتَ بما ليس ضفدعاً على الإطلاق. لنقل شيئاً أقرب إلى السلمندر المائي. أرجُل السلمندر قصيرة للغاية إذا قورِنَت بأرجل الضفادع (أرجُل الضفادع الخلفية على الأقل), و يستخدمها السلمندر للمشي و ليس للقفز. كما أن للسلمندر ذيل طويل, بينما ليس للضفادع ذيل على الإطلاق. و السلمندر إجمالاً أطول و أنحف من معظم الضفادع. لكن بإمكانك في خلال عدة آلاف من الأجيال تحويل تجمعٍ من أفراد السلمندر إلى تجمعٍ من الضفادع, ببساطة عبر إنتقاء ذكور و إناث السلمندر التي تحمل صفات أقرب للضفادع في كل جيل و السماح لها بالتزاوج معاً, بينما تمنع أقرانها التي لا تحمل تلك الصفات من ذات الفعل. لن ترى أي تغيير بارز خلال أي مرحلة من تلك العملية. كل جيل سيشبه سابقه بشكل كبير. على الرغم من ذلك, بمجرد مرور عدد كافي من الأجيال ستلحظ أن متوسط الذيل قد صار أقصر قليلاً و متوسط الأرجل الخلفية قد صارت أطولَ قليلاً. بمرور عدد كبير جداً من الأجيال ستجد أن الأفراد ذوي الأرجل الأطول و الذيول الأقصر قد بدأوا في استخدام أرجلهم الطويلة للقفز و ليس للزحف, و هكذا.

بالطبع في السيناريو الذي وصفته للتو, تخيلنا أنفسنا كَمُرَبِّين نقوم بإنتقاء الإناث و الذكور الذين نسمح لها بالتزاوج كي نحقق نتيجة نهائية اخترناها مسبقاً. قام المزارعون بتطبيق هذا الأسلوب لآلاف السنين للحصول على ماشية و محاصيل ذات انتاجية أعلى أو مقاومة أكبر للأمراض, و هكذا. داروين كان أول من أدرك أن هذا الأسلوب يعمل حتى لو لم يكن هناك مُربِّي يقوم بالإنتقاء. داروين رأى أن الأمر كله سيتم بدون تدخل خارجي لسبب بسيط. و هو أن بعض الأفراد أقدر على البقاء فيتكاثرون, بينما الآخرين لا يفعلون.و هؤلاء الذين يعيشون  لفترة أطول يمكنهم ذلك لأنهم مُعَدُّون بشكل أفضل من الآخرين. يرث أطفال الناجين الجينات التي سمحت لآبائهم بالنجاة. سلمندراً كانت أو ضفادع, قنافذاً كانت أو هندباء, سيكون هناك دائما أفراداً أقدر على البقاء من غيرهم. لو تصادف كون الأرجل الطويلة مفيدة ( سامحةً للضفادع بالهروب من الخطرعلى سبيل المثال, أو معينةً للفهود في اصطياد الغزلان, أو للغزلان للهروب من الفهود), فإن ذلك سيقلل احتمالات موت الأفراد ذوي الأرجل الأطول و سيكون من المرجح أنها ستعيش طويلاً لتتكاثر. أيضاً, فإن المزيد من الأفراد المتاحين للتكاثر سيكونون من ذوي الأرجل الطويلة. و بالتالي ستكون هناك فرصة أكبر لتمرير جينات الأرجل الأطول من كل جيل إلى الجيل الذي يليه. بمرور الوقت سنجد أنه هناك المزيد و المزيد من الأفراد في تلك المجموعة لديهم جينات للأرجل الطويلة. و لذا سيكون التأثير بالضبط كما لو أن مصمماً ذكياً – كالمُرَبِّي البشري – قد انتقى أفراداً ذوي أرجلٍ طويلة للتزاوج. ماعدا أنه ليست هناك حاجة لمصمم كهذا: كل شيء يحدث بشكل طبيعي, بدون تدخل, كنتيجة منطقية لأن البعض يبقى لفترة أطول ليتكاثر بينما البعض الآخر لا يفعل. ولهذا السبب تُسمَّى تلك العملية "الإنتقاء الطبيعي".
بفرض مرور عدد مناسب من الأجيال, يمكن للسلمندر أن يتطور إلى ضفدع. و بمرور عدد أكبر من الأجيال يمكن للأسلاف التي تشبه الأسماك أن تتطور إلى أحفاد تبدو كالقرود. بل أنه بمرور عدد أكبر و أكبر من الأجيال يمكن للأسلاف التي تشبه كالبكتيريا أن تتطور إلى بشر. و هذا ما حدث بالضبط. هذا هو الشيء الذي وقع تاريخياً لكل حيوان أو نبات عاش على ظهر الأرض. عدد الأجيال اللازم أكبر مما يكمنك أو يمكنني تخيله, لكن العالم يربو عمره على آلاف ملايين السنين, و نحن نعرف من الحفريات أن الحياة بدأت منذ أكثر من 3500 مليون (3.5 بليون) سنة, لذا كان الوقت أكثر من كافي لحدوث التطور.

تلك هي فكرة داروين العظيمة, "التطور عن طريق الإنتقاء الطبيعي". إنها أحد أهم الأفكار التي وردت على عقل بشر.  إنها تفسر كل ما نعرفه عن الحياة على ظهر البسيطة. نظراً لمدى أهميتها سأعرِّج عليها مجدداً في فصول لاحقة. يكفي الآن أن نفهم أن التطور بطيء جداً و تدريجي. في الحقيقة, تدرج التطور هو المسؤول عن خروج نتائج معقدة كالأمير و الضفدع. في القصص السحرية, التحول من ضفدع إلى أمير ليس تدريجياً بل مفاجيء, و هو ما يجعل مثل هذه الأمور غير واقعية بالمرة. التطور هو تفسير واقعي يعمل بالفعل و يمتلك الأدلة التي تبرهن على صحته. أي تفسير يفترض أن أشكال الحياة المعقدة قد ظهرت فجأة ( بدلاً من تطورها تدريجياً خطوة بخطوة) هو تفسير كسول لا يختلف في شيء عن التفسير السحري الخيالي لتلويحة عصا العرابة.

بالنسبة لليقطينات التي تتحول إلى عربات, فإن التعويذات السحرية كتفسير هي على نفس الدرجة من عدم الواقعية كما هو الحال بالنسبة للأمراء و الضفادع. العربات لا تتطور – على الأقل ليس بالشكل الطبيعي المتاح للأمراء و الضفادع -. لكن العربات كما هي خطوط الطيران,المعاول, الحواسيب و نصال الأسهم, كلها من صنع البشر الذين تطوروا طبيعياً بالفعل. العقول و الأيدي البشرية تطورت بفعل "الانتقاء الطبيعي", كما تطورت ذيول السلمندر و أرجل الضفادع. أضحت العقول البشرية بفعل تطورها قادرة على تصميم العربات, السيارات, المقصات, السيمفونيات, الغسالات و الساعات. دعوني أقولها مرةً أخرى, لا سحر. مرة أخرى, لا تحايل. مرة أخرى, كل شييء تم تفسيره بشكل جميل و بسيط.

أنتوي فيما تبقى من هذا الكتاب أن أريك أن العالم الحقيقي – كما يُفهم علمياً – ينطوي على سحره الخاص. السحر الشِعري كما أسميه. جمالٌ ملهم هو الأكثر سحراً, لأنه حقيقي و لأننا نستطيع أن نفهم كيف يعمل. التعويذات فوق الطبيعية و الخدع المسرحية تبدو تافهة و رخيصة إذا قورنت بسحر و جمال ذلك العالم الحقيقي. "سحر الحقيقة" ليس خارقاً للطبيعة و ليس خدعة, لكنه ببساطة رائع و حقيقي. رائعٌ لأنه حقيقي.


Friday, February 17, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الأول - الجزء الثالث


"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"

تأليف "ريتشارد دوكنز"
الرسومات التوضيحية ل "ديف ماكين"

إليكِ مُلهمَتي..إليكِ إيما :)

الفصل الأول - المقطع الثالث

العلم و الغيبيات: التفسير و عدوه

إذاً تلك هي "الحقيقة". و تلك هي الطرق التي نستطيع بواسطتها تمييز الشيء الحقيقي عن غيره. كل فصلٍ من فصول هذا الكتاب سيتم تخصيصه لاستعراض جانب معين من الحقيقة. الشمس على سبيل المثال, الزلازل, قوس قُزَح أو الأنواع المختلفة من الحيوانات. أريد الآن أن انتقل الى الكلمة الرئيسية الأخرى في العنوان: السحر. السحر كلمة مراوِغة, تأتي عادةً في سياقاتٍ ثلاثَ مختلفة, و أرى من الضروري البدء بالتمييز بينها. سأسمي الأول "السحر الخارق للطبيعة", الثاني "السحر المسرحي" و الثالث - و هو معنايَ المُفَضًّل وما عنيتُه في عنواني - السحر بمعناه الشِعري.

السحر الخارق للطبيعة هو ذلك الذي يطالعنا في الأساطير و الحكايات الخيالية. ( و "المعجزات" أيضاً. رغم أني سأدع ذلك جانباً الآن على أن أعود إليه في الفصل الأخير). إنه سحر مصباح علاء الدين, تعاويذ السحرة, الأَخَوان جريم , هانز كريستيان اندرسون و ج. ك. رولينج . إنه السحر الخيالي الذي يطالعنا عندما تلقي ساحرة بتعويذتها لتمسخ الأمير في هيئة ضفدع أو عندما تحوِّل العرابِّة يقطينة إلى عربة لامعة. ربما غمرنا الحنين كلما تذكرنا تلك القصص التي تعود لفترة الطفولة, و ربما لا يزال الكثير منّا يستمتعُ بها عندما تُقدَّم خلال عروض الكريسماس التقليدية. لكن كلنا يعلم أن هذا النوع من السحر مجرد خيال لا يتمتع بامكانية الحدوث على أرض الواقع.

على النقيض من ذلك, يحلُ السحر المسرحي ضيفاً على الواقع جالباً البهجة. أو بالأحرى يحلُ "شيء ما" على الواقع رغم أنه قد يختلف عمّا يظن المشاهدون أنه يحدث فعلياً. يقوم أحدهم على المسرح – لسببٍ ما يكون دائماً "أحدهم", لذلك سأستعمل "أحدهم" مع التأكيد على حقك في استخدام "إحداهُنَّ" إذا رغبت بذلك – بخداعنا بأن يلقي في روعِنا أن شيئاً مذهلاً قيد الحدوث – و ربما بدا حتى شيئاً خارقاً للطبيعة - بينما ما يحدث حقاً هو شيءٌ مختلفٌ تماماً. فإمكانية تحويل المناديل الحريرية الى أرانب لا تتعدى في قليل أو كثير إمكانية تحويل الضفادع الى أُمراء. ما رأيناه على المسرح لا يعدو كونه خُدعة. أبصارُنا تخدعنا, أو بالأحرى يبذل الساحر قَصَارى جَهده ليخدع أبصارنا, ربما عن طريق استخدام الكلمات بذكاء لتشتيت إنتباهنا عمّا يفعله بيديه.

يتسم بعض السحرة بالمصداقية لدرجة أنهم قد يخرجون عن برنامج العرض للتأكد من أن الجمهور يعي جيداً أن ما يحدث أمامه محض خدعة. يخطر ببالي الآن أشخاص ك"جيمس راندي", "بين و تيلر" أو "ديرن براون". رغم أن هؤلاء المؤَدُّون الرائعون لا يخبرون جمهورهم في العادة كيف أدوا الخُدعة – قد يتم الإطاحة بهم خارج دائرة السحر (نادي السَحَرة) حال قيامهم بذلك – إلا أنهم يحرصون على التأكد من أن الجمهور يعلم أن العرض لا يتضمن سحراً خارقاً للطبيعة. هناك آخرون لا يصَرِّحون بوضوح بأن الأمر مجرد خدعة, لكنهم في المقابل لا يطرحون إدعاءات مبالغ فيها بخصوص عروضهم, فقط يغمرون الجمهور بنشوة الإحساس بأن شيئاً غامضاً قد وقع دون الكذب بشكل مباشر بخصوص ماهيته. لكن لسوء الحظ, يتسم بعض السَحَرة بالتضليل المتعمد. يتظاهر هؤلاء بأنهم يتمتعون بقدرات "فوق طبيعية" أو "غير عادية" حقيقية: لرُبما ادعوا أنهم يملكون القدرة على ثني المعادن أو ايقاف الساعات بقوة التفكير المجردة. بعض أولئك المدَّعين – ربما ينطبق عليهم أكثر وصف "الدجالين" – يتحصلون على أموال طائلة من شركات البترول و التعدين بدعوى قدرتهم - باستخدام "قوى روحانية" - على تحديد المواقع الأمثل للتنقيب. بعض الدجالين الآخرين يستغلون الأشخاص الذين يستنزفهم الحزن عن طريق إدعاء القدرة على التواصل مع الأموات. عندما يحدث هذا يتعدى الأمر مجرد كونه متعة أو تسلية الى التعيّش على سذاجة الناس و أتراحهم. لكن إحقاقاً للحق ربما لا يكون كل هؤلاء الأشخاص دجالين, بعضهم يعتقد أنه يتحدث الى الأموات بالفعل.

النوع الثالث من السحر هو ما عنَيته في عنواني: السحر بمعناه الشِعري. عندما تدمعُ أعينُنا حالَ سماعِ مقطوعة موسيقية جميلة, و نَصِف الآداء بال"ساحر". عندما نحدّق بالنجوم في ليلة محاق مظلمة بمعزل عن أضواء المدينة, منقطعي الأنفاس من النشوة, و نَصِفُ المشهد بأنه "سحرٌ خالص". ربما إستخدمنا ذات الكلمة لوصف مشهد غروب رائع, أو منظر في جبال الألب, أو قوس قزح امتثل أمام سماءٍ غائمة. بهذه النظرة "سحري" تعني ببساطة: جمال ينفذ الى أعماقك, يبهجك, يقشعر له بدنك, و تشعر معه بروعة الحياة. ما أأمل أن أُريك اياه في هذا الكتاب هو أن الحقيقة – المُسَلَّمَات من عالم الواقع كما نفهمها من خلال الطرق العلمية – هي "سحرية" طبقاً للمعنى الثالث, المعنى الشعري, المعنى الذي يلهمك قيمةَ كونك على قيد الحياة.

أريد الآن أن أتحول الى فكرة "الغيبيات" لأوضّح لمَ تعجز عن تقديم تفسير حقيقي للأشياء التي نراها في العالم والكون من حولنا. عندما تقدم تفسيراً غيبياً لشيءٍ ما, فان هذا لا يُعَدُّ تفسيراً على الطلاق. بل الأسوأ انك تكونُ قد حكمتَ باستحالة ايجاد تفسير مستقبلاُ. لماذا أقول ذلك ؟ أي شيء "غيبي" هو بالضرورة خارج نطاق التفسيرات الطبيعية, خارج نطاق العلم و طريقة التفكير العلمية المؤسَسَة بعناية, المُجَربة و المُختَبرة و التي يرجع اليها الفضل في القفزات المعرفية الهائلة التي تمتعنا بها طوال ما ينيف على أربعمائة عام. عندما تقول أن شيئاً ما وقع بشكل غيبي - فوق طبيعي – فان هذا لا يعني فقط أننا "لا نفهمه", بل يعني "أننا لن نفهمه قط, فلا تحاول".

يتخذ العلم المسلك المضاد تماماً. فالعلم يثابر لتغطية القصور- الحالي – لتفسير كل شيء. و يستخدم ذلك كمنطلق للاستمرار بطرح الأسئلة و بناء النماذج الممكنة و اختبارها حتى نستطيع أن نشق طريقنا خطوة بخطوة نحو الحقيقة. لو حدث شيءٌ ما و كان مناقضاً لفهمنا الحالي للواقع, فسيرى العلماء في ذلك تحدياً لنموذجنا الحالي يتطلب منا تنحيته, أو تغييره على الأقل. هذه التعديلات و الاختبارات المتكررة هي ما يقودنا أقرب ثم أقرب نحو الحقيقة.

ما ظُنُّكَ بمُحَقِّق واجهته قضية قتل, فاختار ان يتكاسل حتى عن محاولة حل لغز القضية و خَلُصَ الى أن السبب "فوق طبيعي"؟. تاريخ العلم على امتداده يثبت لنا أن الأشياء التي ظن الناس حيناً أن لها سبباً فوق طبيعي – الآلهة (حال رضاها أو غضبها), الشياطين, الساحرات, الأرواح, اللعنات و التعاويذ - . هذه الأشياء في الحقيقة لها تفسيرات طبيعية: تفسيرات يمكننا فهمها ووضعها تحت الاختبار و الوثوق بها. ليس هناك مبرر على الاطلاق للاعتقاد بأن الأشياء التي لم يجد لها العلم تفسيراً طبيعياً بعد سيتضح أن لها تفسيرات فوق طبيعية - غيبية -, بنفس قدر عدم وجود مبرر للاعتقاد بأن الزلازل و البراكين و الأمراض مرجعها غضب الالهة كما اعتقد الناس ذات يوم.

بالطبع لا أحد يعتقد حقاً أنه بالامكان تحويل ضفدع الى أمير – أم أنه كان تحويل أمير الى ضفدع؟ لا أتذكر – أو يقطينة الى عربة تجرها الخيول. لكن, هل حدث أن سألت نفسك لماذا تستحيل مثل هذه الأشياء؟ هناك طرق عديدة لتوضيح الأمر, هاكم المفضلة لدي. الضفادع و العربات أشياء معقدة مكونة من العديد من الأجزاء التي يجب أن تُجمَع معاً بطريقة خاصة و بنمط خاص لا يتأتى عن طريق الصدفة – ناهيك عن تلويحة بالعصا -. هذا ما تعنيه كلمة "مُعقّد". من الصعب جداً أن تصنع شيئاً معقداً كضفدع أو عربة. لكي تصنع عربة تحتاج أن تجمع كل الأجزاء معاً بالشكل الصحيح, كما تحتاج الى مهارات نجار و غيره من الحرفيين. فالعربات لا تنشأ هكذا بالصدفة أو بطرقعة صوابعك و قول "آبرا كادابرا".
العربة تتكون من أجزاء هيكلية, معقدة و فعّالة: العجلات و المحاور, النوافذ و الأبواب, الزنبرك و المقاعد المبطنة. ربما كان من السهل نسبياً تحويل شيء معقد كالعربة الى شيء بسيط – كالرماد على سبيل المثال - .
فكل ما ستحتاجه العرّابة هو موقد لحام في عصاها و من ثَمَّ يسهل تحويل أي شيء تقريباً الى رماد. لكن لا أحد يستطيع أن يأخذ كومة من الرماد – أو يقطينة – و يحولها الى عربة, لأن العربة معقدة جداً. و ليست معقدة فحسب, لكنها معقدة بشكل مفيد: يَفيدُ الناس منها بالتنقل في حالتنا هذه.

لنسهل الأمر قليلاً على العرابّة, و نفترض أنها بدلأ من أن تطلب يقطينة فانها طلبت كل الأجزاء التي تلزمك لتركيب العربة مختلطةً معاً في صندوق,على غرار الاجزاء التي نبني منها نماذج الطائرات. الأجزاء التي سنستخدمها لبناء العربة تشتمل على المئات من ألواح الخشب و ألواح الزجاج, قضبان الحديد, حشوات التبطين و أفراخ الجلد , و لا ننسى المسامير و البراغي و علب الغراء التي ستثبِّت كل ذلك بعضه ببعض. لنفترض الآن أنها بدلاً من أن تقرأ التعليمات و تجمع الأجزاء في تسلسل مُرَّتَب, قامت بوضع كل الاجزاء في حقيبة كبيرة الحجم ثم رَجَّتها بشدة. ما هي احتمالات أن الأجزاء سوف تجتمع معاً بالشكل الصحيح الذي ينتج عنه عربة تعمل؟ الاجابة هي: صفر صريح. جزء من المنطق الذي يدعم تلك الاجابة هو الرقم الهائل من الطرق التي يمكنك بها أن تجمع تلك الأجزاء و المكونات المختلطة دون أن تنتهي الى عربة تعمل – أو أي شيء يعمل -

لو أخذت حمولة من الأجزاء و قمت بهزها بشكل عشوائي, ربما نتج عن ذلك من حين لآخر نمط يمكن اعتباره مفيداً, أو حتى مميزاً بشكلٍ ما. لكن احتمالات حدوث ذلك ضئيلة. ضئيلة جداً بالفعل مقارنةً بعدد المرات التي سينتج عنها أنماط لا يمكن اعتبارها أكثر من كومة من الخردوات. هناك ملايين الطرق التي يمكن بواسطتها خلط كَومة من الأجزاء و قطع الغيار مراراً و تكراراً. ملايين الطرق التي تحولهم الى... حسناً, كومة أخرى من الأجزاء و قطع الغيار. كل مرة تخلط فيها الأجزاء, تحصل على كومة فريدة من الخردوات لم يسبق لك رؤيتها من قبل. لكن قلة قليلة فقط من تلك الملايين من الكومات المحتملة سيكون لها ثَمَّة فائدة. أو حتى تكون مميزة أو جديرة بالذكر على وجه من الوجوه.
يمكننا في بعض الأحيان أن نحسب بالتمام عدد الطرق التي يمكننا من خلالها اعادة خلط مجموعة من القطع. كما في حالة مجموعة من بطاقات اللعب على سبيل المثال, حيث كل قطعة تمثلها بطاقة لعب واحدة. لنفترض ان الشخص المسؤول عن توزيع الورق يقوم بخلطه و من ثم توزيعه على أربعة لاعبين بحيث ينال كل منهم 13 بطاقة. أتلقى نصيبي من البطاقات و ألهث في انفعال. لقد حصلت على مجموعة مكونة من 13 بستوني. كل أوراق البستوني المتاحة.

تمنعني دهشتي من الاستمرار في اللعب فأعرض أوراقي على اللاعبين الثلاثة الآخرين مُدركاً أنه سيتملكهم من الدهشة ما تملكني. لكن تلك الدهشة تبلغ مداها عندما يقومون واحداً تلو الآخر بالقاء أوراقهم على الطاولة. كل منهم لديه مجموعة مثالية: أحدهم لديه 13 ورقة قلب. و الآخر 13 ورقة ماس أما الأخير فلديه 13 ورقة نادي .
هل هذا سحر "فوق طبيعي"؟ ربما زُيِّنَ لنا هذا الظن. يستطيع الرياضيون حساب احتمالية حدوث هذا التوزيع المييز الناشيء عن صدفة بحتة. تبين أن هذه الاحتمالية صغيرة بشكل قد يقضي باستحالتها. 1 لكل 536,447,737,765,488,792,839,237,440,000. لا أدري ان كان يمكنني حتى نطق الرقم.ربما لو جلست للعب الورق لمدة تريليون سنة لحصلت على هذا التوزيع المثالي في مناسبة واحدة. لكن - و هذا هو المهم – هذا التوزيع لا يختلف في ندرته عن أي توزيع محتمل آخر للبطاقات. احتمالية أي توزيع بعينه لل 52 بطاقة هو 1 لكل 536,447,737,765,488,792,839,237,440,000. لأن هذا هو العدد الاجمالي للتوزيعات الممكنة. كل ما في الأمر أنه لا نمط محدد يسترعي انتباهنا في السواد الأعظم من تلك التوزيعات. لذا لا يدهشنا أي منها كشيء خارج عن المألوف. فقط نلاحظ التوزيعات التي تتميز بشكلٍ ما.

يمكنك تحويل أمير الى بلايين الأشياء, فقط لو امتلكت القدرة على اعادة ترتيب جزيئاته في بلايين التراكيب المختلفة. لكن معظم هذه التراكيب ستبدو فوضوية – مثل ما بدت بلايين التوزيعات الشوائية لبطاقات اللعب غير ذات معنى -. فقط أقلية لا تكاد تُذكر من تلك التراكيب الناشئة عن اعادة ترتيب "جزيئات الأمير" ستبدو مميزة أو حتى بالكاد صالحة لأي شيء. ناهيك عن ضفدع.
الأمراء لا يتحولون الى ضفادع. و اليقطينات لا تتحول الى عربات. لأن الضفادع و العربات هي أشياء معقدة يمكن تركيب جزيئاتها في عدد شِبه لا نهائي من أكوام الخردوات. لكننا أيضأ نعلم على وجه اليقين أن كل كائن حي – كل انسان, كل تمساح, كل شجرة, كل شحرور و حتى كل قرنبيط – قد تطور عن أشكال أخرى أبسط من الحياة. لذا, ألا يكون ذلك قياسأً ضربة حظ أو شكلاً من السحر؟ لا, بالطبع لا. هذا من الأخطاء الشائعة, لذا أريد أن أبيّن الآن لمَ لم ينشأ ما نراه في الحياة عن الصدفة أو الحظ أو السحر على أي وجهٍ كان ( بالطبع ماعدا الوجه الشِعري البحت الذي يغمُرُنا روعةً و بهجة).