Wednesday, August 1, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثالث



ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الثالث
تحجر الأحفورات


الآن, كيف لنا أن نعرف الهيئة التي بدا عليها أسلافنا, و كيف نعرف متى عاشوا؟ غالباً من خلال الأحفورات. كل صور أسلافنا التي تضمنها هذا الفصل هي إعادة تشكيل مبنية على الأحفورات و تم تلوينها بمقارنتها مع الحيوانات المعاصرة.
تتكون الأحفورات من صخور. إنها صخور التقطت أشكال حيوانات و نباتات ميتة. لا تتاح للغالبية العظمى من الحيوانات فرصة أن تتحول إلى أحفورات حين تموت. إذا أردت أن تحفظ نفسك كأحفورة, فإن الخدعة تكمن في أن تحرص على أن تُدفن في نوع الطمي أو الطين المناسب, النوع الذي قد يتصلب في النهاية مكوناً
صخراً رسوبياً.
ما الذي يعنيه صخر رسوبي ؟ الصخورعلى ثلاثة أنواع: بركانية, رسوبية, متحولة. سأتجاهل الصخور المتحولة, لأنها في كانت الأصل أحد النوعين الآخرين(بركانية أو رسوبية) ثم تحولت بفعل الضغط و/أو الحرارة. الصخور البركانية كانت في وقت ما ذائبة, كما الحال بالنسبة للحمم الحارة التي تتدفق من البراكين الثائرة الآن, ثم تصلبت في شكل صخور عندما بردت. الصخور الصلبة من أي نوع تتآكل بفعل الرياح أو الماء لتتفتت إلى صخور أصغر, حصى, رمال و تراب. الرمل و التراب يعلق بالماء ثم قد يستقر في طبقات من الترسبات أو الطمي في قاع البحر أو البحيرة أو النهر. بمرور زمن طويل, الترسبات تتصلب مُكوّنةً طبقات من الصخور الرسوبية. على الرغم من أن الطبقات تكون مسطحة و أفقية عندما تنشأ, فإنها و بحلول الوقت الذي نراها فيه بعد ملايين السنين غالباً ما تكون قد تشوهت أو انحرفت أو قُلبت ( لمعرفة كيف يحدث ذلك, طالع الفصل العاشر الخاص بالزلازل).
لنفترض الآن أن حيواناً ميتاً انجرف في الطمي
, في مصب النهر ربما. إذا تصلب الطمي لاحقاً ليصبح صخرة رسوبية, فإن جثة الحيوان قد تتحلل داخل الصخرة المتصلبة تاركةً أثراً غائراً على هيئتها سنجده في نهاية المطاف. هذا أحد أنواع الأحفورات – نوع من الصور السالبة ‘negative’ للحيوان. و قد يشكل هذا الأثر الغائر قالباً تتسرب اليه ترسيبات جديدة, تتصلب فيما بعد مُشَكّلةً صورة موجبة مطابقة للمظهر الخارجي لجسم الحيوان, و هذا نوع ثاني من الأحفورات. و هناك نوع ثالث يتم فيه استبدال ذرات و جزيئات جثة الحيوان, واحدة تلوة الأخرى بذرات و جزيئات المعادن الذائبة في الماء. والتي تتبلر لاحقاً مشكلةً صخوراً. و هذا أفضل أنواع الأحفورات, لأنه و ببعض الحظ, فإن التفاصيل الدقيقة في داخل الحيوان يتم إعادة تشكيلها بشكل يبقى للأبد, و يتم ذلك مباشرةً في قلب الأحفورة.
يمكن حتى للأحفورات أن تُؤرَّخ. يمكننا معرفة عمرها غالباً عن طريق قياس النظائر المشعة في الصخور. سنعرف ما هي النظائر و ما هي الذرات في الفصل الرابع. باختصار, النظائر المشعة هي نوع من الذرات يتحلل ليصير نوعاً آخر من الذرات. على سبيل المثال, أحد هذه النظائر يُدعى يورانيوم-238 يتحول إلى رصاص-206. و لأننا نعلم كم من الوقت تستغرق تلك العملية, يمكننا أن نفكر في النظائر كساعات مشعة. الساعات المشعة هي إلى حد ما شبيهة بساعات الماء و ساعات الشمع التي استخدمها الناس قبل اختراع ساعات البندول. خزان مياه به فتحة في القاع سوف يجف بمعدل محسوب. لو أن الخزان مُلِئَ عند الفجر, يمكنك أن تعرف كم من النهار قد مر بقياس المستوى الحالي للماء. المثل مع ساعات الشمع. الشمعة تذوي بمعدل ثابت, لذا يمكنك معرفة كم من الوقت مر منذ تم إشعالها بقياس طول الشمعة الحالي. في حالة ساعة اليورانيوم-238, فنحن نعرف أن اليورانيوم-238 يستغرق 4.5 بليون سنة ليتحلل نصفه إلى رصاص-206. يسمى هذا
نصف عمر اليورانيوم-238. لذا, بقياس كم الرصاص-206 في الصخرة مقارنةً بكم اليورانيوم-238 يمكننا حساب كم من الوقت مر منذ اللحظة التي لم يكن بها رصاص-206 بالمرة و كان كل ما هناك هو اليورانيوم-238.بعبارة أخرى, كم من الوقت مر منذ تصفير الساعة.
و متى يتم تصفير تلك الساعة؟ حسناً, يحدث ذلك فقط مع الصخور البركانية التي يتم تصفير ساعاتها في اللحظة التي تتصلب فيها الحمم الذائبة لتصير صخوراً. لا يحدث هذا مع الصخور الرسوبية التي ليس لها لحظة صفر, و هذا مدعاةٌ للأسف لأن الأحفورات يمكن العثور عليها فقط في الصخور الرسوبية. لذا فإن الحل يكمن في العثور على صخور بركانية في مكان ما حول الطبقات الرسوبية و استخدامها كساعة. على سبيل المثال, لو أن أحفورة وُجِدت في صخرة رسوبية تعلوها صخرة بركانية عمرها 120 مليون سنة و تسفلها صخرة بركانية عمرها 130 مليون سنة, فستعرف أن هذه الأحفورة عمرها بين ال 120 إلى 130 مليون سنة. بتلك الطريقة تم التوصل لكل التواريخ التي ذكرتها في هذا الفصل. كلها تواريخ تقريبية لا يجوز أخذها على محمل الدقة.
اليورانيوم-238 ليس النظير المشع الوحيد الذي يمكن استخدامه كساعة. هناك المزيد من النظائر و التي تمنحنا مجالاً واسعاً من أنصاف العمر. على سبيل المثال, الكربون-14 له نصف عمر يبلغ 5730 سنة فقط. وهو ما يجعله مناسباً لعلماء الآثار الذين يبحثون في التاريخ الإنساني. من الحقائق الممتعة أن العديد من الساعات المشعة لها نطاقات وقتية متداخلة, لذا أمكن استخدامهم في مواجهة بعضهم البعض للتحقق من دقتهم. و ثبت ذلك في كل مرة.
الكربون-14 يعمل بطريقة تختلف عن الآخرين لا تتمحور حول الصخور البركانية و إنما حول رفات الكائنات الحية نفسها, الخشب العتيق على سبيل المثال. إنه أحد أسرع الساعات المشعة التي نعرفها. لكن 5730 سنة لازالت فترة أطول بكثير من العمر البشري, لذا ربما تساءلت كيف تأتّى لنا أن نعرف أن هذا هو نصف عمر الكر
بون-14. ناهيك عن كيفية معرفتنا بأن نصف عمر اليورانيوم-238 هو 4.5 بليون سنة! الإجابة سهلة. ليس علينا أن ننتظر تحلل نصف الذرات. نستطيع أن نقيس معدل تحلل نسبة ضئيلة من الذرات ثم نحسب نصف العمر, ربع العمر أو 1/100  من العمر, و هكذا.

No comments:

Post a Comment