Saturday, August 4, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الرابع




ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الرابع
جولة في الماضي


لنقم بتجربة ذهنية أخرى. اصطحب بعض المرافقين في آلة زمن. أدر المحرك و انطلق 10,000 سنة نحو الماضي. افتح الباب و ألقِ نظرة على الناس الذين ستلقاهم. لو حدث أن هبطت في ما يعرف الآن بالعراق, ستجدهم في خِضَم عملية اختراع الزراعة. في معظم الأماكن الأخرى سيكونوا بدائيين , يرتحلون من مكان إلى الآخر, يصطادون حيوانات برية و يجمعون التوت و الجوز و الجذور.  سيكون حديثهم غير مفهوم و ستكون ملابسهم (إن كانوا يرتدون ملابس)غير تقليدية. على الرغم من ذلك, لو كسوتهم بملابس عصرية و منحتهم قصات شعر حديثة لن تستطيع تمييزهم عن البشر المعاصرين ( أو على الأقل لن يختلفوا عنهم إلا بقدر ما يختلف البشر المعاصرين عن بعضهم البعض). و سيكونوا مهيئين تماماً للتناسل مع البشر المعاصرين الذين يرافقونك على متن آلتك الزمنية.




الآن انتق متطوعاً من بينهم ( ربما كان سلفك ال 400, لأن هذا هو الوقت التقريبي الذي عاصره) و انطلق مجدداً بآلتك الزمنية متوغلاً 10,000 سنة أخرى: أي ما يسبق وقتنا الحالي ب20,000 سنة حيث ربما حظيت بفرصة لقاء سلفك ال 800. هذه المرة كل من تراهم سيكونون بدائيين. لكن, مرة أخرى أجسادهم تماماً كأجساد البشر المعاصرين, و مرة أخرى سيكونوا قادرين على التناسل مع البشر المعاصرين و انجاب أطفال يتمتعون بالخصوبة. خذ أحدهم معك في آلة الزمن, و انطلق 10,000 سنة أخرى نحو الماضي. استمر بفعل ذلك, قافزاً في كل مرة 10,000 سنة نحو الماضي, و في كل مرة قف و اصطحب مسافراً أو مسافرة جديداً و خذه(ا) نحو الماضي.

ما يهمنا في النهاية أنه بعد الكثير من القفزات التي يبلغ كل منها 10,000 سنة, ربما بعد أن نجتاز عتبة المليون سنة في الماضي, ستبدأ ملاحظة أن الأناس الذين تلتقي بهم بعد أن تخرج من آلة الزمن مختلفين عنا تماماً, و غير قادرين على التناسل مع المرافقين الذين صحبوك في أول الرحلة. لكنهم سيكونوا قادرين على التناسل مع أولئك الذين أضيفوا مؤخراً إلى قائمة المسافرين, و الذين هم قدماء تقريباً بقدرهم.



جدك ال 250,000
(منذ 6,000,000 سنة)
أنا الآن فقط أؤكد على نفس النقطة التي ذكرتها سابقاً - عن كون التغيير التدريجي غير مُدرَك, تماماً كحركة عقرب الساعات في الساعة - لكن عن طريق تجربة ذهنية مختلفة . تلك النقطة تستحق الذكر بطريقتين مختلفتين, لأنها رغم أهميتها فإن البعض يجد صعوبة – بشكل يمكن تفهمه - في تقبلها.
لنستكمل رحلتنا في الماضي و نتوقف عند بعض المحطات في طريقنا نحو تلك السمكة الجميلة. لنفترض أننا وصلنا بآلتنا الزمنية إلى المحطة المعنونة ب’ 6,000,000 سنة ماضية. ماذا سنجد هناك؟ بفرض أننا كنا في أفريقيا, فإننا سنجد أسلافنا من الجيل ال 250,000 (زد أو انقص عدة أجيال). إنهم قرود, و ربما بدوا أشبه بالشيمبانزي لكنهم ليسوا شيمبانزي. في الحقيقة, سيكونون السلف المشترك بيننا و بين الشيمبانزي. سيكونون مختلفين عنا لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بيننا. و مختلفين عن الشيمبانزي لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بينهما أيضاً. لكن سيمكنهم التزاوج مع المسافرين الذين اصطحبناهم من المحطة 5,990,000 سنة ماضية . و ربما أمكنهم التزاوج مع أولئك من المحطة 5,900,000 سنة ماضية. لكن ربما ليس مع أولئك الذين ينتمون ل4,000,000 سنة ماضية.






جدك ال 1,500,000
(منذ 25 مليون سنة)


لنواصل الآن قفزاتنا ذات العشرة آلاف سنة وصولاً إلى المحطة 25,000,000 سنة ماضية. سنجد هناك سلفك (و سلفي) ال1,500,000 حسب تقديرنا التقريبي. لن يكونوا قروداً, لأن لهم ذيول. سوف نظنهم شيمبانزي لو رأيناهم اليوم, رغم أنهم يَمِتّون بالقرابة للشيمبانزي المعاصر بقدر ما يَمِتّون بالقرابة لنا. رغم كونهم مختلفين عنّا, و غير قادرين على التزاوج معنا أو مع الشيمبانزي المعاصر, فإنهم سيكونون قادرين على التزاوج بكفاءة مع المسافرين معهم الذين انضموا الينا في المحطة (24,990,000 سنة). دائماً تغيير تدريجي, تدريجي.













جدك رقم 7,000,000
(منذ 63,000,000 سنة)




نستمر بالتوغل أكثر فأكثر, 10,000 سنة كل مرة, غير عاثرين على أي تغيير ملحوظ في كل محطة. لنتوقف و نرى من يرحب بنا عندما نصل للمحطة  63,000,000 سنة ماضية. هنا يمكننا أن نصافح ( أو نشد على مخالب؟) سلفنا ال 7,000,000. انهم يشبهون حيوان الليمور – نوع من القرود - أو الجلاجو, و هم بالفعل أسلاف كل الليمور و الجلاجو المعاصر, كم أنهم أسلاف كل الشيمبانزي المعاصر و القرود, و ذلك يشلمنا.
إنهم على درجة قرابة مع البشر المعاصرين تساوي نظيرتها مع الشيمبانزي المعاصر. و هي نفس درجة القرابة مع الليمورأو الجلاجو المعاصر. ليس لهم القدرة على التزاوج مع أيٍ من الحيوانات المعاصرة. لكن على الأرجح سيستطيعون التزاوج مع المسافرين الذين التقطناهم من المحطة 62,990,000 سنة ماضية. لنرحب بهم على متن آلة الزمن و نسرع أكثر نحو الماضي.











جدك ال 45,000,000
(منذ 105,000 سنة) 
  

في المحطة 105,000,000 سنة ماضية سنقابل أسلافنا الذين يسبقوننا ب 45,000,000 جيل.هو سلف مشترك لكل الثدييات المعاصرة ماعدا الجرابيات ( توجد الآن غالباً فقط في أستراليا و القليل في أمريكا) و الحيوانات وحيدة المسلك ( منقار البطة و آكل النمل, يعيشان الآن  فقط في استراليا و غينيا الجديدة). يظهر في الصورة بصحبة طعامه المفضل في فمه, حشرة. إنه على نفس درجة القرابة مع كل الثدييات الحديثة, رغم أنه قد يبدو أقرب شبهاً لبعضهم من الآخرين.
جدك ال 170,000,000
(منذ 310 مليون سنة)
المحطة '310,000,000 سنة ماضية' تقدم لنا السلف 170,000,000. إنها السلف المشترك لكل الثدييات المعاصرة, و كل الزواحف المعاصرة – الثعابين و السحالي و السلاحف و التماسيح – و كل الديناصورات ( و هذا يشمل الطيور, لأن الطيور تطورت من الديناصورات). انها على نفس درجة القرابة من كل تلك الحيوانات المعاصرة, رغم انها تبدو أقرب شبهاً بالسحالي. و ما يعنيه هذا هو أن السحالي تغيرت بمقدار أقل من الثدييات مذاك الحين.
















جدك ال 175,000,000
(منذ 340 مليون سنة)

لقد أصبحنا مسافرو زمن محنَّكين الآن, لن نصبر طويلاً قبل أن نلتقى السمكة التي تحدثت عنها سابقاً. لنتوقف مرة أخيرة قبل النهاية: في المحطة  340,000,000 سنة ماضية, حيث سنقابل سلفنا ال 175,000,000. إنه يبدو أشبه بالسلمندر, و هو سلف مشترك لكل البرمائيات المعاصرة ) السلمندر و الضفادع), و كذلك لكل الفقاريات البرية.


نستمر حتى نصل للمحطة 417,000,000 سنة ماضية حيث تلتقي سلفك ال 185,000,000, السمكة التي أوردناها سابقاً. و من هناك نستطيع أن نتوغل أكثر في الزمن, ملتقين المزيد و المزيد من الأسلاف, و الذين يشملون أنواعاً عديدة من الأسماك ذات الفك, ثم تلك التي لا تمتلك فكاً, ثم..حسناً, ثم تبدأ معارفنا تختفي داخل نوع من ضباب عدم اليقين, لأن أحفوراتنا تبدأ بالنفاذ بوصولنا لتلك الأزمنة السحيقة.





No comments:

Post a Comment