Wednesday, August 8, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الخامس و الأخير

ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الخامس و الأخير
DNA يخبرنا أننا أبناء عمومة


على الرغم من أنه قد تعوزنا الأحفورات التي تخبرنا كيف بدا بالضبط أسلافنا الموغلون في القِدَم, إلا أنه ليس لدينا أدنى شك بأن كل الكائنات الحية أبناء عمومتنا, و أبناء عمومة فيما بينهم. و نعلم كذلك أي الحيوانات المعاصرة ذوي قرابة لصيقة بعضهم لبعض ( كالبشر مع الشيمبانزي, و الفئران مع الجرذان), و أيهم ذوي قرابة بعيدة (كالبشر مع الوقواق, و الفئران مع التماسيح). كيف نعرف ذلك؟ بمقارنتهم بطريقة ممنهجة. في عصرنا هذا أقوى الأدلة تأتي عبر مقارنة DNA.
DNA هي المعلومات الجينية التي تحملها كل الكائنات الحية في كل خلاياها. تلك المعلومات موضحة بطول أشرطة بيانات حلزونية الشكل تسمى الكروموسومات. هذه الكروموسومات تشبه إلى حد كبير أشرطة البيانات التي كانت تستخدم مع الحواسيب القديمة, لأن المعلومات التي تحملها رقمية و تم نظمها بطول تلك الأشرطة بترتيب. تتكون من منتظمات طويلة من الشفرة الحروف التي يمكن احصاءها: فكل حرف إما موجود أو غير موجود. ليس هناك حلول وسط. و هذا ما يجعلها رقمية, و ما يجعلني أقول موَضَحة.

كل الجينات, في كل حيوان أو نبات أو بكتيريا تم فحصه هي رسائل مشفرة لكيفية بناء الكائن, مكتوبة باستخدام أبجدية متعارف عليها. تلك الأبجدية مكونة من أربعة حروف فقط (مقابل 26 حرف في الأبجدية الانجليزية), تكتب بهذا الشكل A, C, G,T . نفس الجينات تتكرر في الكثير من المخلوقات مع اختلافات قليلة ذات دلالة. على سبيل المثال, هناك جين يدعى FoxP2, و الذي نجده عند كل الثدييات و العديد من المخلوقات الأخرى. يتكون هذا الجين من أكثر من 2,000 حرف. ستجد في نهاية هذه الفقرة مقطعاً من 80 حرفاً مأخوذة من وسط ال FoxP2, المقطع من الحرف رقم 831 إلى الحرف رقم 910. الصف الأول لإنسان, الأوسط لشيمبانزي, و الصف الأخير هو لفأر. الأرقام في نهاية الصفين الأخيرين تظهر كم عدد الاختلافات في كل الجين بين كل سطر و بين FoxP2 الخاص بالانسان .
يمكنك قول أن FoxP2 هو جين مشترك بين كل الثدييات لأن الغالبية العظمى من حروف الشفرة متطابقة, و هذا يتحقق بطول الجين و ليس مقتصراً على هذا المقطع ذي الثمانين حرفاً. ليست كل الحروف الخاصة بالشيمبانزي مطابقة لحروف البشر, و بشكل أقل في حالة الفئران. الاختلافات تم تمييزها باللون الأحمر. من كل ال 2,076 حرفاً في FoxP2, يختلف الشيمبانزي عنا في 9 حروف, بينما يختلف الفأر ب 139 حرفاً.  و هذا النمط يسري في باقي الجينات أيضاً. وهذا يفسر لماذا الشيمبانزي شديد الشبه بنا, بينما الفئران ليست كذلك.



الشيمبانزي هم أبناء عمومتنا الأقربين, الفئران هم أبناء عمومة بشكل أبعد. "أبناء عمومة بشكل بعيد" تعني أن أقرب سلف 
تشاركناه عاش منذ زمن بعيد. السعدان أقرب إلينا من الفئران لكن أبعد من الشيمبانزي. قرود المكاك و البابون هم أبناء عمومة قريبيّن جداً لبعضهما, حتى أن الجين FoxP2 لديهما شبه متطابق. و هما يقفان على مسافة مع الشيمبانزي تساوي تلك التي يقفون عليها معنا. و عدد حروف ال DNA المختلفة بين البابون و الشيمبانزي داخل FoxP2 و عددها 24 تساوي تقريباً تلك المختلفة بيننا و بين البابون داخل نفس الجين FoxP2 و عددها 23. كل شيء مثالي.

و فقط كي ننهي تلك الفكرة البسيطة تماماً, فإن الضفادع هي أبناء عمومة أبعد بكثير جداً بالنسبة لكل الثدييات. كل الثدييات تتشارك تقريباً نفس عدد الحروف المختلفة بينها و بين الضفادع, لسبب بسيط و هو أن كل الثدييات هي أبناء عمومة للضفادع بشكل متساوي تماماً: فكل الثدييات تشاركت سلفاً مشتركاً (قبل نحو 180 مليون سنة) أقرب من ذلك الذي تشاركته مع الضفادع (قبل نحو 340 مليون سنة).
لكن بالطبع ليس كل البشر متماثلين, و ليس كل البابون متماثلين, و ليس كل الفئران متماثلين. يمكننا مقارنة جيناتك مع جيناتي, حرفاً بحرف. و النتيجة؟ سوف نجد أننا نتشارك حروفاً أكثر من تلك التي قد يتشاركها أياً منا مع الشيمبانزي. لكننا سنظل نجد بعض الحروف المختلفة. ليس الكثير, و ليس هناك سبباً محدداً لنركز على الجين FoxP2 . لكن لو حدث ان أحصيت و جمعت كل أعداد الحروف التي يتشاركها كل البشر في كل جيناتنا, ستجدها أكثر من تلك التي يتشاركها أيٌ منا مع الشيمبانزي. و ستجد أنك تتشارك حروفاً مع ابن عمك أكثر من تلك التي تتشاركها معي. و حتى ستجد أنك تتشارك حروفاً أكثر مع أمك و أبيك و أختك و أخيك ( لو كان لك أخوة). في الحقيقة, يمكنك معرفة كم درجة القرابة بين أي شخصين بِاحصاء عدد حروف ال DNA المشتركة بينهما. إنه لشيئ مثير للإهتمام لتقوم به, و من المحتمل أن نسمع به كثيراً في المستقبل. على سبيل المثال, ستستطيع الشرطة تعقب شخص عن طريق بصمة ال DNA الخاصة بشقيقه.
بعض الجينات متماثلة بشكل ملحوظ ( مع اختلافات طفيفة) في كل الثدييات. احصاء عدد الحروف المختلفة في هذه الجينات مفيد لمعرفة كم درجة القرابة بين أنواع الثدييات المختلفة. هناك جينات الأخرى مفيدة لمعرفة القرابات الأبعد, على سبيل المثال بين الفقاريات و الديدان. و البعض الآخر من الجينات مفيد لمعرفة مدى القرابة داخل النوع الواحد. على سبيل المثال كم درجة القرابة بيني و بينك. في حالة كنت مهتماً, لو حدث أنك انجليزي, فإن أقرب سلف مشترك بيني و بينك ربما عاش فقط منذ قرون قليلة. لو كنت أحد سكان تسمانيا أو أمريكا الأصليين فسيتحتم علينا أن نعود عدة عشرات الآلاف من السنين لنجد سلفنا المشترك. أما لو تصادف أنك أحد الكونج سان الذين يعيشون في صحراء كالاهاري فقد نضطر إلى العودة إلى زمن أبعد.

إنها الحقيقة التي تتعدى كل شك أننا نتشارك سلفاً مع كل نوع حيوان أو نبات آخر على هذا الكوكب. نعرف هذا لأن بعض الجينات مشتركة بشكل واضح بين كل الكائنات الحية, يشمل هذا الحيوانات و النباتات و البكتيريا. و فوق هذا, فإن الشفرة الجينية ذاتها – القاموس الذي أمكننا بواسطته ترجمة الجينات – هي نفسها في كل الكائنات الحية التي فحصناها. كلنا أبناء عمومة. شجرة عائلتك لا تتضمن فقط أبناء العمومة القريبين كالشيمبانزي و السعدان, لكن أيضاً الفئران و الجاموس و الايجوانا و الولب و الحلزون و الهندباء و الصقور الذهبية و المشروم و الحيتان و البكتيريا. كلهم أبناء عمومتنا. كل واحد منهم. أليست تلك الحقيقة أروع بكثير من أي أسطورة؟ و الأكثر روعة أننا نعرف أنها صحيحة تماماً.


Saturday, August 4, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الرابع




ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الرابع
جولة في الماضي


لنقم بتجربة ذهنية أخرى. اصطحب بعض المرافقين في آلة زمن. أدر المحرك و انطلق 10,000 سنة نحو الماضي. افتح الباب و ألقِ نظرة على الناس الذين ستلقاهم. لو حدث أن هبطت في ما يعرف الآن بالعراق, ستجدهم في خِضَم عملية اختراع الزراعة. في معظم الأماكن الأخرى سيكونوا بدائيين , يرتحلون من مكان إلى الآخر, يصطادون حيوانات برية و يجمعون التوت و الجوز و الجذور.  سيكون حديثهم غير مفهوم و ستكون ملابسهم (إن كانوا يرتدون ملابس)غير تقليدية. على الرغم من ذلك, لو كسوتهم بملابس عصرية و منحتهم قصات شعر حديثة لن تستطيع تمييزهم عن البشر المعاصرين ( أو على الأقل لن يختلفوا عنهم إلا بقدر ما يختلف البشر المعاصرين عن بعضهم البعض). و سيكونوا مهيئين تماماً للتناسل مع البشر المعاصرين الذين يرافقونك على متن آلتك الزمنية.




الآن انتق متطوعاً من بينهم ( ربما كان سلفك ال 400, لأن هذا هو الوقت التقريبي الذي عاصره) و انطلق مجدداً بآلتك الزمنية متوغلاً 10,000 سنة أخرى: أي ما يسبق وقتنا الحالي ب20,000 سنة حيث ربما حظيت بفرصة لقاء سلفك ال 800. هذه المرة كل من تراهم سيكونون بدائيين. لكن, مرة أخرى أجسادهم تماماً كأجساد البشر المعاصرين, و مرة أخرى سيكونوا قادرين على التناسل مع البشر المعاصرين و انجاب أطفال يتمتعون بالخصوبة. خذ أحدهم معك في آلة الزمن, و انطلق 10,000 سنة أخرى نحو الماضي. استمر بفعل ذلك, قافزاً في كل مرة 10,000 سنة نحو الماضي, و في كل مرة قف و اصطحب مسافراً أو مسافرة جديداً و خذه(ا) نحو الماضي.

ما يهمنا في النهاية أنه بعد الكثير من القفزات التي يبلغ كل منها 10,000 سنة, ربما بعد أن نجتاز عتبة المليون سنة في الماضي, ستبدأ ملاحظة أن الأناس الذين تلتقي بهم بعد أن تخرج من آلة الزمن مختلفين عنا تماماً, و غير قادرين على التناسل مع المرافقين الذين صحبوك في أول الرحلة. لكنهم سيكونوا قادرين على التناسل مع أولئك الذين أضيفوا مؤخراً إلى قائمة المسافرين, و الذين هم قدماء تقريباً بقدرهم.



جدك ال 250,000
(منذ 6,000,000 سنة)
أنا الآن فقط أؤكد على نفس النقطة التي ذكرتها سابقاً - عن كون التغيير التدريجي غير مُدرَك, تماماً كحركة عقرب الساعات في الساعة - لكن عن طريق تجربة ذهنية مختلفة . تلك النقطة تستحق الذكر بطريقتين مختلفتين, لأنها رغم أهميتها فإن البعض يجد صعوبة – بشكل يمكن تفهمه - في تقبلها.
لنستكمل رحلتنا في الماضي و نتوقف عند بعض المحطات في طريقنا نحو تلك السمكة الجميلة. لنفترض أننا وصلنا بآلتنا الزمنية إلى المحطة المعنونة ب’ 6,000,000 سنة ماضية. ماذا سنجد هناك؟ بفرض أننا كنا في أفريقيا, فإننا سنجد أسلافنا من الجيل ال 250,000 (زد أو انقص عدة أجيال). إنهم قرود, و ربما بدوا أشبه بالشيمبانزي لكنهم ليسوا شيمبانزي. في الحقيقة, سيكونون السلف المشترك بيننا و بين الشيمبانزي. سيكونون مختلفين عنا لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بيننا. و مختلفين عن الشيمبانزي لدرجة أنه سيستحيل التزاوج بينهما أيضاً. لكن سيمكنهم التزاوج مع المسافرين الذين اصطحبناهم من المحطة 5,990,000 سنة ماضية . و ربما أمكنهم التزاوج مع أولئك من المحطة 5,900,000 سنة ماضية. لكن ربما ليس مع أولئك الذين ينتمون ل4,000,000 سنة ماضية.






جدك ال 1,500,000
(منذ 25 مليون سنة)


لنواصل الآن قفزاتنا ذات العشرة آلاف سنة وصولاً إلى المحطة 25,000,000 سنة ماضية. سنجد هناك سلفك (و سلفي) ال1,500,000 حسب تقديرنا التقريبي. لن يكونوا قروداً, لأن لهم ذيول. سوف نظنهم شيمبانزي لو رأيناهم اليوم, رغم أنهم يَمِتّون بالقرابة للشيمبانزي المعاصر بقدر ما يَمِتّون بالقرابة لنا. رغم كونهم مختلفين عنّا, و غير قادرين على التزاوج معنا أو مع الشيمبانزي المعاصر, فإنهم سيكونون قادرين على التزاوج بكفاءة مع المسافرين معهم الذين انضموا الينا في المحطة (24,990,000 سنة). دائماً تغيير تدريجي, تدريجي.













جدك رقم 7,000,000
(منذ 63,000,000 سنة)




نستمر بالتوغل أكثر فأكثر, 10,000 سنة كل مرة, غير عاثرين على أي تغيير ملحوظ في كل محطة. لنتوقف و نرى من يرحب بنا عندما نصل للمحطة  63,000,000 سنة ماضية. هنا يمكننا أن نصافح ( أو نشد على مخالب؟) سلفنا ال 7,000,000. انهم يشبهون حيوان الليمور – نوع من القرود - أو الجلاجو, و هم بالفعل أسلاف كل الليمور و الجلاجو المعاصر, كم أنهم أسلاف كل الشيمبانزي المعاصر و القرود, و ذلك يشلمنا.
إنهم على درجة قرابة مع البشر المعاصرين تساوي نظيرتها مع الشيمبانزي المعاصر. و هي نفس درجة القرابة مع الليمورأو الجلاجو المعاصر. ليس لهم القدرة على التزاوج مع أيٍ من الحيوانات المعاصرة. لكن على الأرجح سيستطيعون التزاوج مع المسافرين الذين التقطناهم من المحطة 62,990,000 سنة ماضية. لنرحب بهم على متن آلة الزمن و نسرع أكثر نحو الماضي.











جدك ال 45,000,000
(منذ 105,000 سنة) 
  

في المحطة 105,000,000 سنة ماضية سنقابل أسلافنا الذين يسبقوننا ب 45,000,000 جيل.هو سلف مشترك لكل الثدييات المعاصرة ماعدا الجرابيات ( توجد الآن غالباً فقط في أستراليا و القليل في أمريكا) و الحيوانات وحيدة المسلك ( منقار البطة و آكل النمل, يعيشان الآن  فقط في استراليا و غينيا الجديدة). يظهر في الصورة بصحبة طعامه المفضل في فمه, حشرة. إنه على نفس درجة القرابة مع كل الثدييات الحديثة, رغم أنه قد يبدو أقرب شبهاً لبعضهم من الآخرين.
جدك ال 170,000,000
(منذ 310 مليون سنة)
المحطة '310,000,000 سنة ماضية' تقدم لنا السلف 170,000,000. إنها السلف المشترك لكل الثدييات المعاصرة, و كل الزواحف المعاصرة – الثعابين و السحالي و السلاحف و التماسيح – و كل الديناصورات ( و هذا يشمل الطيور, لأن الطيور تطورت من الديناصورات). انها على نفس درجة القرابة من كل تلك الحيوانات المعاصرة, رغم انها تبدو أقرب شبهاً بالسحالي. و ما يعنيه هذا هو أن السحالي تغيرت بمقدار أقل من الثدييات مذاك الحين.
















جدك ال 175,000,000
(منذ 340 مليون سنة)

لقد أصبحنا مسافرو زمن محنَّكين الآن, لن نصبر طويلاً قبل أن نلتقى السمكة التي تحدثت عنها سابقاً. لنتوقف مرة أخيرة قبل النهاية: في المحطة  340,000,000 سنة ماضية, حيث سنقابل سلفنا ال 175,000,000. إنه يبدو أشبه بالسلمندر, و هو سلف مشترك لكل البرمائيات المعاصرة ) السلمندر و الضفادع), و كذلك لكل الفقاريات البرية.


نستمر حتى نصل للمحطة 417,000,000 سنة ماضية حيث تلتقي سلفك ال 185,000,000, السمكة التي أوردناها سابقاً. و من هناك نستطيع أن نتوغل أكثر في الزمن, ملتقين المزيد و المزيد من الأسلاف, و الذين يشملون أنواعاً عديدة من الأسماك ذات الفك, ثم تلك التي لا تمتلك فكاً, ثم..حسناً, ثم تبدأ معارفنا تختفي داخل نوع من ضباب عدم اليقين, لأن أحفوراتنا تبدأ بالنفاذ بوصولنا لتلك الأزمنة السحيقة.





Wednesday, August 1, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الثالث



ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الثالث
تحجر الأحفورات


الآن, كيف لنا أن نعرف الهيئة التي بدا عليها أسلافنا, و كيف نعرف متى عاشوا؟ غالباً من خلال الأحفورات. كل صور أسلافنا التي تضمنها هذا الفصل هي إعادة تشكيل مبنية على الأحفورات و تم تلوينها بمقارنتها مع الحيوانات المعاصرة.
تتكون الأحفورات من صخور. إنها صخور التقطت أشكال حيوانات و نباتات ميتة. لا تتاح للغالبية العظمى من الحيوانات فرصة أن تتحول إلى أحفورات حين تموت. إذا أردت أن تحفظ نفسك كأحفورة, فإن الخدعة تكمن في أن تحرص على أن تُدفن في نوع الطمي أو الطين المناسب, النوع الذي قد يتصلب في النهاية مكوناً
صخراً رسوبياً.
ما الذي يعنيه صخر رسوبي ؟ الصخورعلى ثلاثة أنواع: بركانية, رسوبية, متحولة. سأتجاهل الصخور المتحولة, لأنها في كانت الأصل أحد النوعين الآخرين(بركانية أو رسوبية) ثم تحولت بفعل الضغط و/أو الحرارة. الصخور البركانية كانت في وقت ما ذائبة, كما الحال بالنسبة للحمم الحارة التي تتدفق من البراكين الثائرة الآن, ثم تصلبت في شكل صخور عندما بردت. الصخور الصلبة من أي نوع تتآكل بفعل الرياح أو الماء لتتفتت إلى صخور أصغر, حصى, رمال و تراب. الرمل و التراب يعلق بالماء ثم قد يستقر في طبقات من الترسبات أو الطمي في قاع البحر أو البحيرة أو النهر. بمرور زمن طويل, الترسبات تتصلب مُكوّنةً طبقات من الصخور الرسوبية. على الرغم من أن الطبقات تكون مسطحة و أفقية عندما تنشأ, فإنها و بحلول الوقت الذي نراها فيه بعد ملايين السنين غالباً ما تكون قد تشوهت أو انحرفت أو قُلبت ( لمعرفة كيف يحدث ذلك, طالع الفصل العاشر الخاص بالزلازل).
لنفترض الآن أن حيواناً ميتاً انجرف في الطمي
, في مصب النهر ربما. إذا تصلب الطمي لاحقاً ليصبح صخرة رسوبية, فإن جثة الحيوان قد تتحلل داخل الصخرة المتصلبة تاركةً أثراً غائراً على هيئتها سنجده في نهاية المطاف. هذا أحد أنواع الأحفورات – نوع من الصور السالبة ‘negative’ للحيوان. و قد يشكل هذا الأثر الغائر قالباً تتسرب اليه ترسيبات جديدة, تتصلب فيما بعد مُشَكّلةً صورة موجبة مطابقة للمظهر الخارجي لجسم الحيوان, و هذا نوع ثاني من الأحفورات. و هناك نوع ثالث يتم فيه استبدال ذرات و جزيئات جثة الحيوان, واحدة تلوة الأخرى بذرات و جزيئات المعادن الذائبة في الماء. والتي تتبلر لاحقاً مشكلةً صخوراً. و هذا أفضل أنواع الأحفورات, لأنه و ببعض الحظ, فإن التفاصيل الدقيقة في داخل الحيوان يتم إعادة تشكيلها بشكل يبقى للأبد, و يتم ذلك مباشرةً في قلب الأحفورة.
يمكن حتى للأحفورات أن تُؤرَّخ. يمكننا معرفة عمرها غالباً عن طريق قياس النظائر المشعة في الصخور. سنعرف ما هي النظائر و ما هي الذرات في الفصل الرابع. باختصار, النظائر المشعة هي نوع من الذرات يتحلل ليصير نوعاً آخر من الذرات. على سبيل المثال, أحد هذه النظائر يُدعى يورانيوم-238 يتحول إلى رصاص-206. و لأننا نعلم كم من الوقت تستغرق تلك العملية, يمكننا أن نفكر في النظائر كساعات مشعة. الساعات المشعة هي إلى حد ما شبيهة بساعات الماء و ساعات الشمع التي استخدمها الناس قبل اختراع ساعات البندول. خزان مياه به فتحة في القاع سوف يجف بمعدل محسوب. لو أن الخزان مُلِئَ عند الفجر, يمكنك أن تعرف كم من النهار قد مر بقياس المستوى الحالي للماء. المثل مع ساعات الشمع. الشمعة تذوي بمعدل ثابت, لذا يمكنك معرفة كم من الوقت مر منذ تم إشعالها بقياس طول الشمعة الحالي. في حالة ساعة اليورانيوم-238, فنحن نعرف أن اليورانيوم-238 يستغرق 4.5 بليون سنة ليتحلل نصفه إلى رصاص-206. يسمى هذا
نصف عمر اليورانيوم-238. لذا, بقياس كم الرصاص-206 في الصخرة مقارنةً بكم اليورانيوم-238 يمكننا حساب كم من الوقت مر منذ اللحظة التي لم يكن بها رصاص-206 بالمرة و كان كل ما هناك هو اليورانيوم-238.بعبارة أخرى, كم من الوقت مر منذ تصفير الساعة.
و متى يتم تصفير تلك الساعة؟ حسناً, يحدث ذلك فقط مع الصخور البركانية التي يتم تصفير ساعاتها في اللحظة التي تتصلب فيها الحمم الذائبة لتصير صخوراً. لا يحدث هذا مع الصخور الرسوبية التي ليس لها لحظة صفر, و هذا مدعاةٌ للأسف لأن الأحفورات يمكن العثور عليها فقط في الصخور الرسوبية. لذا فإن الحل يكمن في العثور على صخور بركانية في مكان ما حول الطبقات الرسوبية و استخدامها كساعة. على سبيل المثال, لو أن أحفورة وُجِدت في صخرة رسوبية تعلوها صخرة بركانية عمرها 120 مليون سنة و تسفلها صخرة بركانية عمرها 130 مليون سنة, فستعرف أن هذه الأحفورة عمرها بين ال 120 إلى 130 مليون سنة. بتلك الطريقة تم التوصل لكل التواريخ التي ذكرتها في هذا الفصل. كلها تواريخ تقريبية لا يجوز أخذها على محمل الدقة.
اليورانيوم-238 ليس النظير المشع الوحيد الذي يمكن استخدامه كساعة. هناك المزيد من النظائر و التي تمنحنا مجالاً واسعاً من أنصاف العمر. على سبيل المثال, الكربون-14 له نصف عمر يبلغ 5730 سنة فقط. وهو ما يجعله مناسباً لعلماء الآثار الذين يبحثون في التاريخ الإنساني. من الحقائق الممتعة أن العديد من الساعات المشعة لها نطاقات وقتية متداخلة, لذا أمكن استخدامهم في مواجهة بعضهم البعض للتحقق من دقتهم. و ثبت ذلك في كل مرة.
الكربون-14 يعمل بطريقة تختلف عن الآخرين لا تتمحور حول الصخور البركانية و إنما حول رفات الكائنات الحية نفسها, الخشب العتيق على سبيل المثال. إنه أحد أسرع الساعات المشعة التي نعرفها. لكن 5730 سنة لازالت فترة أطول بكثير من العمر البشري, لذا ربما تساءلت كيف تأتّى لنا أن نعرف أن هذا هو نصف عمر الكر
بون-14. ناهيك عن كيفية معرفتنا بأن نصف عمر اليورانيوم-238 هو 4.5 بليون سنة! الإجابة سهلة. ليس علينا أن ننتظر تحلل نصف الذرات. نستطيع أن نقيس معدل تحلل نسبة ضئيلة من الذرات ثم نحسب نصف العمر, ربع العمر أو 1/100  من العمر, و هكذا.