Wednesday, July 25, 2012

سحر الحقيقة : الفصل الثاني- المقطع الأول

ترجمة
"سحر الحقيقة, كيف نميز ما هو حقيقي بالفعل"
تأليف "ريتشارد دوكنز"

الرسومات التوضيحية  "ديف ماكين"
الفصل الثاني - المقطع الأول
من كان أول البشر؟


معظم فصول هذا الكتاب تم عنونتها بسؤال. قصدت بذلك أن أجيب عن السؤال أو على الأقل أعطي أفضل إجابة ممكنة, إجابة العلم. لكني عادةً ما أبادر بإجابة أسطورية لأنها تبدو أكثر إثارةً و جذباً, و لأن الناس على مر العصور آمنت بها. بعضهم لا يزال.
كل الشعوب في أرجاء العالم لديها أساطير نشأة تفسر من أين أتى البشر. العديد من أساطير النشأة عند القبائل تقتصر في حديثها على تلك القبائل بالذات كما لو أنه ليس هناك قبائل أخرى! بنفس الطريقة, العديد من القبائل لديها قاعدة تنص على عدم جواز قتل الناس, لكن اتضح أن "الناس" تعني فقط الآخرين من أبناء قبيلتك. قتل أبناء القبائل الأخرى لا بأس به!

إليك أسطورة نشأة نموذجية ترجع لمجموعة من سكان تسمانيا الأصليين. إله يُدعى "مُويني" لحقت به الهزيمة من قِبَل إله منافس يُدعى "درومردينر" بعد معركة مريرة جرت بين النجوم. مُويني هوى نحو تسمانيا ليموت. أراد قبل موته أن يبارك مثواه الأخير, لذا قرر أن يخلق البشر. لكنه كان في عجلةٍ من أمره لعلمه بأنه يموت لدرجة أنه نسي أن يخلق للبشر رُكَب. و في لحظة غاب فيها ذهنه ( لانشغاله بورطته بلا شك) خلق للبشر ذيولاً طويلة كالكنجارو, مما يعني أنهم لن يستطيعوا الجلوس, ثم مات. عانى الناس من ذيول الكنجارو خاصتهم و عدم امتلاكهم لرُكَب. و جأروا بالشكوى للسماء لتساعدهم.
            درومردينر العظيم, الذي كان لا يزال يجوب السماء صاخباً مستعرضاً انتصاره سمع شكواهم و هبط إلى تسمانيا ليستطلع الأمر. أشفق على الناس, و من ثم منحهم رُكَباً قابلة للطي و قَطَع ذيول الكنجارو غير المريحة ليتمكنوا من الجلوس في النهاية. و عاشوا بسعادة بعد ذلك.
من حين لآخر نعثُر بنسخة مختلفة من ذات الأسطورة. ليس ذلك مُستَغرباً لأن الناس يميلون عادةً لتعديل التفاصيل بينما يحكون القصص حول نار المخيم, لذلك تتباعد النسخ المحلية من ذات القصة. في رواية أخرى من تلك الأسطورة التسمانية, مويني خلق أول انسان في السماء,اسمه بارليفر. بارليفر لم يستطع الجلوس لامتلاكه ذيل كنجارو و رُكَباً غير قابلة للطي. كما في السابق, الإله البارز المنافس درومردينر أتى لإنقاذ الموقف. منح بارليفر رُكَباً مناسبة و قطع ذيله, مداوياً الجرح بالشحم. بارليفر هبط لاحقاً إلى تسمانيا متخذاً الطريق السماوي ( درب اللبانة).

كان للقبائل العبرانية في الشرق الأوسط إله وحيد نظروا إليه باعتباره الأعظم بين آلهة القبائل المنافسة. كان له عدة أسماء, لم يكن مسموحاً لهم التلفظ بأحدها.خلق ذلك الإله أول انسان من تراب و أسماه آدم ( و الذي يعني "رجل"). تعمد ذلك الإله أن يخلق آدم على صورته. في الحقيقة, معظم الآلهة على مر التاريخ تم تمثيلها على هيئة رجال (و أحياناً نساء), لكن غالباً بحجم أكبر و دائماً بقدرات فوق طبيعية.
أسكن الرب آدم في جنة جميلة تُسَمَّى عدن عامرة بالأشجار التي سُمِحَ لآدم أن يأكل من ثمارها مع استثناء وحيد. الشجرة المُحَّرمة كانت "شجرة معرفة الخير و الشر", ترك الربُ آدمَ واثقاً من أنه لن يقرب ثمارها.
أدرك الإله لاحقاً أن آدم قد يحس بالوحدة و أراد أن يتصرف إزاء ذلك. وفي تلك النقطة – كما في قصة درومردينر و مويني – هناك نسختين من الأسطورة, كلتاهما وردت في سِفر التكوين. في النسخة الأكثر تشويقاً, خلق الرب كل الحيوانات مُسَخَّرين لآدم, ثم لاحظ أن شيئاً ما لا يزال مفقوداً. امرأة! لذا أعطى آدم مُخًّدِراً عاماً, قام بفتح شق و انتزع أحد الأضلاع ثم خاطه مجدداً. قام بعدها بتنشئة امرأة من ذلك الضلع. أسماها حواء و قدمها لآدم كزوجة.
لسوء الحظ, كان هناك ثعبان شرير في الجنة, اقترب من حواء و أقنعها أن تعطي آدم ثمرة شجرة معرفة الخير و الشر المحرمة. آدم و حواء أكلا الثمرة فأدركا في التو حقيقة أنهما عاريين.
أربكهما ذلك فصنعا لنفسيهما ازارين من أوراق التين. عندما رأى الرب ذلك غضب جداً  لأنهما أكلا الثمرة و اكتسبا المعرفة – و خسرا براءتهما, كما أعتقد -. طردهما من الجنة و حكم عليهما و على نسلهما بحياة الشقاء و الألم. حتى اليوم, فإن الكثير من الناس ما زالوا يأخذون القصة السيئة لعصيان آدم و حواء على محمل الجد تحت اسم "الخطيئة الأصلية". حتى أن بعض الناس يعتقدون أننا ورثنا تلك " الخطيئة الأصلية" عن آدم و أننا مشاركون في الإثم ( على الرغم من أن العديد منهم يعترف أن آدم شخصية غير حقيقية بالأساس!).

الشعوب الشمالية التي تقطن اسكندنافيا المعروفون ب"بحارو الفايكنج" عبدوا العديد من الآلهة شأنهم شأن الاغريق و الرومان. اسم إلههم الرئيسي كان "أودين", و أحياناً كان يُدعى ب "ووتان" أو "وودن". و هو أصل كلمة "Wednesday". (“Thursday” ترجع إلى إله شمالي آخر “Thor”, إله الرعد الذي اعتاد توليده بمطرقته الهائلة.)
في ذات يوم كان أودين يمشي على الشاطيء بصحبة اخوته الذين كانوا آلهةً بدَوّرهم
فوجدوا جذعي شجر. قاموا بخلق أول رجل من جذع الشجرة الأول و أسموه "آسك", و حوَّلوا الجذع الثاني إلى أول امرأة و أسموها "امبلا". بقيامهم بخلق أول رجل و امرأة, قامت الآلهة أخوة "أودين" بنفث الحياة فيهما, ثم تلوا ذلك بمنحهما الوعي و الوجوه و القدرة على الحديث.
أتساءل لماذا جذوع الأشجار؟ لماذا ليست رقاقات الثلج أو كثبان الرمال؟ أليس من المدهش أن نتساءل من اختلق تلك القصص و لماذا؟ هل نفترض أن المختلقين الأوائل لهذه الأساطير علموا بأنها خيالية لحظةَ اختلقوها؟ أم هل تظن أن أناساً مختلفين ينتمون إلى أزمنة و أماكن مختلفة اختلقوا أجزاءً متعددة من القصص كل على حدة, ثم قام أناسٌ آخرين بتجميع أجزاء القصة في وقت لاحق بعد تعديل بعضها غير مدركين أن تلك الأجزاء هي في الأصل مختلقة؟

القصص شيءٌ رائع و كلنا يستمتع بترديدها. لكن عندما نسمع قصة مبهجة, سواءً كانت أسطورة قديمة أو خرافة حديثة انتشرت عبر الانترنت, فانه حريٌ بنا أن نقف و نتساءل ما إذا كانت القصة – أو أي جزء منها – حقيقي. لذا لنسأل أنفسنا هذا السؤال – من كان أول بشري؟ - و لنلقِ نظرة على الإجابة العلمية الصحيحة.

No comments:

Post a Comment